فارس الحباشنة
لست من الشغوفين في متابعة المسلسلات التركية على كثرتها. حكايا عشق مجنونة وفتيات جميلات وقصور فارهة وديكور ساحر وغواية في العلاقات الانسانية. ورجال وسيمون ونجاح وتفوق في التجارة والبزنس خارق للعادة.
اكثر ما استوقفني في متابعة سريعة لاحد المسلسلات الحوار واللغة المستعملة وما يدور بين الممثلين من كلام. لربما أن المشاهدين لو يندفعون في التفكير قليلا ما شاهدوا المسلسل ولو لدقيقة واحدة.
كلام فاضي وفارغ، ومقارعات اسرية واجتماعية من نسخ خيال لا ينتمي الى أي مجتمع على الكرة الارضية. وأذكر قبل أعوام زرت مع وفد اردني تركيا، وجمعتنا لقاءات بأتراك على المستوى الشعبي، وتعرفون فضول الاردنيين وزج انوفهم بتفاصيل الاخر، واظهار أنهم مثقفون ويعرفون معلومات عن الطرف الثاني، فراحوا يتحدثون عن ابطال المسلسلات التركية مهند وغيره، والمفاجأة كانت ان الاتراك لا يعرفون المسلسلات المصدرة للعالم العربي ولا الممثلين.
أحد الاتراك قال لي إن هؤلاء الممثلين من الصف الرابع والخامس والاخير، وليسوا نجوما في المجتمع الفني التركي، وأنهم بلغة الفن كومبارسات، لا يملكون كاريزما ومواهب النجوم. لم اعلق واكتيفت بان يسمع الوفد الاردني بفضوله الزائد ماذا قال الرجل التركي.
وكما استهللت باني لست متابعا للمسلسلات التركية المدبلجة. ولربما ان لم تخوني الذاكرة فان اخر مسلسلات تابعتها كاملة واكرر مشاهدتها لو بثت على الشاشة كانت رافت الهجان وليالي الحلمية ونهاية رجل شجاع ويوميات مدير عام ومرايا .
المهم من باب الفضول والضجر شاهدت مقطعا من مسلسل تركي، فتاة يعشقها اربعة رجال في نفس الوقت، وهي تبادلهم مشاعرها ، وتدور الحكاية الدرامية حول هذه الحبكة، ولا أعرف ما هي القيمة والمتعة والذائقة بمشاهدة مسلسل حبكته من رذيلة ولا تستقيم مع أي معايير وقيم انسانية ؟
ضحكت كثيرا، ولم يخطر ببالي كيف يمتهن العربي عدم احترام هويته وذاته ؟ فما يصير بنا اكثر من متابعة مسلسلات لا تمت بصلة لثقافتنا وهويتنا وخصوصيتنا. فلو انتج العرب مسلسلات مثلا، هل ستسمح الحكومة التركية ببثها للجمهور التركي مثلا ؟
لا اريد أن ادخل كثيرا في جوانب جينية من الشخصية العربية تتعلق بالتقليد والانجرار وراء الاخر والتبعية. وما لا يلتصق من شعور بالتبعية والانجرار واللاحقية باي شعوب اخرى على وجه الكرة الارضية.
الشعوب القوية عندما تمر بها أزمات وصعاب سياسية واقتصادية كما هو حال الامة العربية اليوم تتحصن وتتمترس وراء هويتها وخصوصيتها. وعودة الى مربع تحصين الانا، لا الانجرارية والتبعية واللاحقية والسماح لمن هب ودب بان يرمى بنفاياته وقذوراته ومفاسده وملوثاته على الجمهور الحزين والمكسور والتائه.
فكيف تموت الهوية الوطنية؟ فهل حقيقة هذا ما يريد الجمهور العربي مشاهدته؟ وهل قصة الفتاة العاشقة لاربع رجال ما يثير اهتمام الجمهور؟ ام ان القصة وأكبر من مسلسل مدبلج؟ لا اعتقد أن الجماهير الضائجة والمنتفضة من الماء الى الماء تبحث عن مشاهده هذه التفاهات الاستهلاكية لولا ان هناك ماكينات تسعى جاهدة لاستيطانها في الخيال والذائقة العربية، وهذا موضوع آخر.