أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات الصين والصعود الواثق

الصين والصعود الواثق

26-09-2013 12:23 PM

أ. د. فيصل الرفوع

من كان يتوقع أن تندثر دولتا فارس والروم وأن تصبحا أثراً بعد عين، ومن كان يتوقع أن تتلاشى الدولة العربية الإسلامية وأن تصبح مكوناتها تائهة في بحور من الدماء والضياع والتيه وعدم اليقين. وهل في وارد أي كان، أن تنتهي كل من الدولة العثمانية وبريطانيا العظمى وتؤولان إلى ما آلتا إليه. وهل مر في احلام يقظة « لينين» و « ستالين» و « خروتشوف» و « برجينيف» وصولاً للرفيق « غورباتشيف» أن تتفكك الدولة العميقة السوفيتية، وتصبح تابعاً وغير مؤثر في السياسة الدولية. صحيح بأن موقفها الأخير الداعم للحكومة السورية قد يعني بأن القطب الروسي قد بدأ « يتململ» بإتجاه إثبات الوجود والمواجهة، إلا أن الواقع غير ذلك، لأن الصوت الروسي العالي اليوم لم يكن له أن يسمع، بضم الياء، إلا نتيجة لتلكؤ القابع في البيت الأبيض وتردده، والشكر هنا يسجل للمقاومة العراقية التي هزمت أمريكا وجعلتها تفكر الف مرة قبل أن تقدم على أي عمل عسكري في المنطقة العربية. بالإضافة إلى أن النظام الدولي بقيادته الأمريكية، تنظر إلى كل ما يتعلق بالأمة العربية من منظار مصلحة إسرائيل، وبما أن مصلحة إسرائيل تقتضي الدفع بإتجاه القضاء على الدولة السورية، التأريخ والشعب والدور والقدرة، فمن هنا جاء التراخي الغربي- الأمريكي في التعامل مع الملف السوري وتراجعه أمام الظاهرة الصوتية الروسية. لكن هذه الحالة لا يقاس عليها بالمطلق، لأنه ليس بالإمكان إقناع أي كان بأن تجريد سوريا من سلاحها يعتبر نصراً للموقف الروسي، بل نصراً لإسرائيل والولايات المتحدة. صحيح بأننا نأمل إستمرار « مشمشية» الصعود الروسي أمام لا عدالة الموقف الأمريكي تجاه القضايا العربية، لكن الواقع يشير إلى غير ذلك، وبالنتيجة فإن الخاسر الأكبر هو الأمة العربية وقلبها النابض سوريا. وهنا يتساءل المرء، هل ستبقى الولايات المتحدة سيدة الموقف؟ ، ويأتي الجواب بالنفي. لأن الخط البياني- الحضاري لإطراد القوة والمنعة لأي أمة، وبعد أن يصل إلى الذروة و قمة المجد والعنفوان، يبدأ بالتراجع والإضمحلال. فالولايات المتحدة وصلت اليوم إلى قمة مجدها، وبالتالي فهي مرشحة للتراخي. فحسب منطق التأريخ، سيبدأ نفوذها بالتراجع ولو بخطى السلحفاة، لكن ليس لصالح الدب الروسي المنهك من نتائج الدولة المركزية العميقة وتبعاتها،و صراع أصحاب المصالح و « المافيات»، بل سيكون لصالح اللاعب الصيني، بالإضافة إلى لاعبين آخرين واعدين، كالهند وأوروبا الموحدة والبرازيل واليابان وربما تركيا. لقد شكل التطور التنموي المتسارع لجمهورية الصين الشعبية في المجالات كافة، سواء الاقتصادية أم الثقافية أم السياسية أم الاجتماعية أم غيرها، دافعاً ايجابياً لصعود التفاعل الصيني مع الأحداث العالمية. فالمراقب لدور الصين، الواقع والمأمول، لا بد وان ينظر بعظيم التقدير والإعجاب لهذا الشعب الذي أزال من أمام إرادته كل عوامل الإحباط والتحدي، الداخلية منها والخارجية، ليصل إلى هذا المستوى من الرقي والتقدم والثقة بالنفس وبالغد المشرق آلاتي لا محالة. فالصين التي لم يتجاوز دخلها القومي في عام 1979( 140) مليار دولار، وصل هذا الرقم إلى أكثر من 2800 مليار دولار في عام 2012. كما قفزت قيمة صادراتها من 20 مليار دولار في عام 1979 إلى أكثر من 2000 مليار دور عام 2012. وفي اللحظة التي لم يكن احتياطي البنك المركزي الصيني من العملات الصعبة عام 1979 (200)مليون دولار، وصل هذا الرقم إلى مليارات الدولات. كما تقضي الخطة الاقتصادية الصينية للسنوات المقبلة بان يتعدى الإنتاج القومي الصيني رقم ال 4000 مليار دولار في عام 2020، ليصل نصيب الفرد إلى أكثر من 3000 دولار سنوياً. كما يعتبر تعايش الصين مع الزيادة السكانية الكبيرة، والتي تصل إلى حوالي 1400 مليون نسمة، ومواءمتها بين مستوى هذه الزيادة والناتج القومي، إنجازا عظيما قد تعجز أي دولة أخرى عن التعامل معه، حيث إستطاعت تحويل العامل الديمغرافي من عبء اقتصادي إلى حافز اقتصادي وعامل ايجابي في التطور. لهذه الأسباب وغيرها أعتقد بأن المنافس الحقيقي لقيادة النظام الدولي هي الصين وليس غيرها





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :