باسم سكجها
من حقّ الدولة الأردنية ألاّ يكون هناك عامل مصريّ بدون تصريح عمل، ولكنّ، وفي المقابل، فأبسط حقوق مئات آلاف العمّال المصريين في الأردن أن نعترف لهم بفضلهم في حياتنا، خلال عشرات السنوات الماضية، وحديثنا اليوم ليس بدون مناسبة، بل لأنّ هناك ثلاثة منهم ماتوا تحت ترابنا، قبل أن تدفنهم أرض بلادهم الحبيبة.
هي ليست المرّة الأولى، ولا الثانية، ولا العشرين، التي يموت فيها مصريون وهم في عزّ مشاركتهم بالبناء، أو الزراعة، أو الحراسة، أو الصناعة، وتستنفر وزارة خارجيتنا حين تحصل مشكلة لأيّ أردني في مصر، ويتمّ التجاوب، ونتمنى على الخارجية المصرية أن تستنفر ليحصل الراحلون المصريون الثلاثة على حقوقهم المعنوية المستحقّة، وأن ندفع لأهلهم التعويضات المالية المناسبة، فقد كانوا أبناء وآباء تعيش عائلاتهم على تحويلاتهم.
نحن أهل أخلاق، فلا نتعامل بمعايير مزدوجة، ومع كتابة هذه السطور نعرف عن التدخّل القضائي السريع بتوقيف أربعة أشخاص لهم علاقة مباشرة بالحادث المؤسف، وأملنا أن يكون ما جرى مناسبة لتفعيل القوانين والإجراءات التنفيذية، وتحديد المسؤوليات، في وقت تُسارع فيه الجهات المعنية بالتنصّل وإلقاء اللوم على الآخرين.
من التصريحات العلنية، نفهم أنّ الجهات المعنية حذرت مبكّراً من وقوع حادث في ذلك الموقع بعينه، فنقابة المهندسين فعلت ذلك قبل أسبوع، ونشرت أمانة عمّان إنذاراً مكتوباً وجّهته قبل يوم إلى صاحب المشروع، وقد نسمع من جهات أخرى الشيء نفسه، وهذا ما يُضاعف من كارثية ما جرى، ويقودنا إلى القول: إذا تدري فهي مصيبة، وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم!
عمّان، والمدن الرئيسية، ورشات عمل كبيرة، فهناك مئات الحفريات الضخمة بأمتار كثيرة تحت الأرض، ومئات البنايات تحت البناء بعشرات الطوابق، وكلّها مُعرّضة لا سمح الله إلى حوادث مؤسفة، ويمكن تداركها بكثير من الصرامة والحسم، والتشاركية في المتابعة، فالمسألة هنا ليست ترفاً بل قضية حياة أو موت، ويبقى أنّ من واجبنا الآن، ودائماً، تحيّة العمّال المصريين الذين شاركوننا في عملية البناء، ومنهم من مات تحت ترابنا، رحمهم الله، وللحديث بقية!