أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات كلام من وحي زيارة بيروتية!

كلام من وحي زيارة بيروتية!

23-10-2019 09:48 AM
باسم سكجها


مع ما يجري في لبنان، الآن، أستعيد ما كتبته قبل نحو أربع سنوات، من وحي زيارة لبيروت، فالصورة اليوم تكاد تكون النقيض، ولعلّ سائقي سيارات الأجرة الذين تحدّثت عنهم، يتوحّدون الآن في رفع العلم اللبناني، في ساحة ما، ويرفعون الشعارات نفسها!

١- مع السائق الشيعي

أفضل الحوارات، عندي، دائماً، تلك التي تجري مع سائقي سيارات الأجرة، وخصوصاً في الدول التي تزدحم شوارعها بالسيارات، وفي بيروت كُنت أشتبك في حوارات سطحية، وعميقة، مع سائق من الضاحية الجنوبية تكاد تطغى اللهجة العراقية على كلماته، باعتباره عاش في النجف الأشرف، وعند لحظة ما اعترف لي: أنا أحارب في سوريا ثلاثة أشهر وأعود لأعمل، ولدي إبنان يفعلان الشيء نفسه.

لم نصل إلى تلك النتيجة من البوح بسهولة، ففي البداية سألني عن جنسيتي، فقلت: أردني. أضاف إلى سؤاله واحداً آخر: أردني.. أردني؟ فقلت، وقد فهمت قصده: نعم أردني أردني، ومن أصل فلسطيني، فصار يتغزّل بفلسطين، واستغرق في شرح ما قدّمه «حزب الله» لها، فشاركته الحوار بقليل من البراءة، ولكنّه في لحظة خرج عن سياق كلامه، وقال: والله يا رجل، الأردن عجيب، كلّ الذين يأتون إلى بيروت يهاجمون دولهم، إلاّ أنتم، وكلّ الناس لاجئون إلاّ أنتم، فقدّمت له مداخلة سياسية وكأنّ أمامي مايكروفون، في ندوة عامّة.

وبصراحة، فقد استمع لي بكلّ حبّ، مع أنّه كال الاتهامات بأنّ الأردن ذراع أميركا، وأنّه يلعب لعبتها، ولهذا فقد ظلّ بعيداً عن تأثيرات الإرهاب، وتذكّر أمامي بألم ما حصل من تفجيرات في الضاحية الجنوبية، ولكنّه سكت حين ذكّرته بأنّ عمّان شهدت تفجيرات، وأنّ الطيار الذي أحرقته «داعش» كان أردنياً، وسرعان ما بدا معجباً بالأردن، وقال كلاماً يؤكد تلك المشاعر.

٢- مع السائق السنّي

وتشاء الصُدفة، في اليوم التالي، أن أكون مع سائق، في مسافة أطول، من «الغربية» إلى «جونيه»، من معقل السنّة إلى مكان «الموارنة»، ولم يتطلب منه الأمر أن يسألني عن أصلي، فلمجرد كوني أردنياً فأنا سنّي مثله، يستطيع التحدث إليه بأمان، فبدأ بأمنياته بعودة الشيخ سعد الحريري إلى بيروت لأنّه ضمانة للسنّة، ولأنّه سيعيد السعوديين والخليجيين إلى لبنان، لاعادة إنعاش الاقتصاد، ثمّ أبدى امتعاضه من كون السياحة في بيروت أصبحت عراقية، باعتبار أنّ هؤلاء «بخلاء» في الصرف، وحين يُخرجون ورقة المئة دولار من جيوبهم، وكأنّها بئر نفط، في حين أنّ أيّ سائح سعودي يدفع الورقة نفسها، ولا يسأل عن الباقي!

لم يبخل صاحبنا بالبوح أيضاً، فقال مستنكراً: كنتُ أتمنى لو أنّ جيشكم دخل سوريا منذ البداية، وحررها من جيش «الأسد»! وحين رددت عليه بأنّ جيشنا يُدافع عن حدوده، ولا يُحارب بالنيابة، ولا يتدخّل في أراضي الجيران، قلّل من انفعاله، وعاد إلى رشده، فسألني: هل تعتقد إذن أن السعودية تورطت في اليمن؟ أجبته: نعم! وغيّرت في مسار الحوار، لأعلن له أنّ استثمارات أبناء رفيق الحريري في الأردن أكثر منها في لبنان، لهذا السبب، فباغتني بسؤال: قصدك الشيخ سعد أم الشيخ بهاء؟ وكان يعرف إجابته بالطبع.

كان يتملئ غضباً على أنّ بيروت الغربية، السنيّة، تمّ اجتياحها في السابع من أيار قبل سبع سنوات من قبل الشيعة، ولم يخف عداءه لهم، وأعلن بأنّ سنّة بيروت لن ينسوها، ولكنّه وجّه لي كلاماً على شكل سؤال، مع أنّه بيان موقف: يا أستاذ ما رأيك في أنّنا كنّا نتندّر على الشيعة بأنّ لديهم «زواج المتعة»، وصرنا نتندّر على أنفسنا بأنّ لدينا «نكاح الجهاد»؟

٣- مع السائق الماروني

على شاطئ جونيه، كنتُ أستمتع بمشهد البحر في «شاليه» صديقي الماروني القومي العربي، الأستاذ السابق في الجامعة الأميركية، المستشار القانوني لغير حكومة عربية، حين أعلن لي عن تفهّمه لما يجري من تسيّد التيارات الاسلامية لحركات التغيير، وباح لي بأنّ اليسار فشل، والقومية أفشلت، وما بينهما كانت القومية السورية تُقدّم نموذجاً غير مقنع، فلم يجد الإسلام السياسي أيّة عقبة في تصدّر المشهد.

بعد قليل، صرنا في مطعم فاخر شبه فارغ على الشاطئ نفسه، نأكل السمك ونواصل الحديث، فجاء تقديره للموقف السياسي: ما يجري من تطرّف إسلامي يُذكّرني بسنوات حركة «الحشاشين/ الأساسيين»، خلال الحروب الصليبية، وما تخللها من تطرّف واغتيالات، ولكنّ ذلك لا يمكنه أن يستمر مطوّلاً، وقال: «نموذجكم الأردني هو الأفضل عربياً واقليمياً وعالمياً في التعامل مع المسألة، وبصراحة فهو الوحيد الذي لم يكسر العظم مع الماضي، أو الحاضر، أو المستقبل»، وأسهب في الحديث عن العلاقة مع الإخوان المسلمين، الذي هم، في رأيه، ماضي ومستقبل الاسلام السياسي الذي ينبغي التعامل معه بانفتاح، ولكن بحرص، وأنهى بقوله: وهذا ما يفعله الأردن، وهذا ما ينبغي لمصر والسعودية أن تفعلاه!

في طريق العودة إلى «بيروت الغربية»، قُريب الفجر، كان سائق صديقي الماروني مارونياً، ذلك الذي سيعيدني إلى فندقي في سيارته الشخصية، فبالغ في الصمت حتى ظننت وحيداً، ولسبب ما فتحت معه حديثاً وسألته: لماذا كان المطعم الفاخر فارغاً إلاّ منّا، وهو موسم سياحي، فقال: يا خيي اذا حلّوها في «الضاحية» و«والغربية»، بتنحل عنّا، وأضاف: ما في أحلى من بلدك الأردن، وكان ذلك أبلغ ما سمعت في بيروت...» ينتهي النصّ هنا، ويبقى أنّ عليّ القول الآن: وليس هناك أجمل من لبنان هذه الأيام. وللحديث بقية...

basem.sakijha@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :