الشاهد - هبة العسعس– ينفث إياد ذو السنوات التسع، دخان سيجارته وهو يجلس قرب بوابة مدرسته، في بلد تقول احصائياته الرسمية، ان مدخنيه ينفقون نحو مليوني دينار يوميا.
ويقول رئيس لجنة الصحة والبيئة النيابية الدكتور عيسى الخشاشنة، ان نسبة التدخين بين اليافعين الاردنيين تبلغ 45 بالمائة موزعة على مدخن منتظم وغير منتظم.
ويسوق الخشاشنة اسبابا لتفاقم آفة التدخين، في مقدمتها ضعف تطبيق قانون الصحة العامة وتحديات الثقافة المجتمعية التي تجيز التدخين بصورة غير منطقية أو عقلانية.
خبراء قالوا لوكالة الانباء (بترا)، على الرغم من تغليظ العقوبات الواردة بنص قانون الصحة العامة الاردني، إلا أن ظاهرة التدخين بشكل عام ولدى الاطفال بشكل خاص ما زالت مقلقة، وبحاجة إلى مزيد من الحزم والرقابة من قبل الحكومة والمدرسة والأسرة.
وأشاروا إلى حرص وزارة الصحة على تشديد الرقابة على بيع السجائر 'الفردية' والحد من ذلك، لكن هذا لم يمنع القاصرين - الذين هم دون سن الثامنة عشر- من شراء علب السجائر وتناول هذه المادة السامة التي تهدد حياتهم وتعرضهم لأمراض متعددة في سن مبكر.
يقول هاشم الذي يبلغ من العمر سبعة وثلاثين عاما: 'لقد بدأت بممارسة التدخين مذ كان عمري ثماني سنوات، بعدما كنت اذهب لشراء السجائر الفردية لوالدي، الذي كان يدخن التبغ بشراهة كبيرة، إلى أن اقدمت على تجريبها مرة تلو المرة، احسست خلالها ان ذلك يشعرني بالرجولة وتقدمي بالعمر على اقراني'.
وأضاف :' وبعد بلوغي عشر سنوات بدأت بإعلان تدخيني امام أسرتي ومطالبتهم بشراء الدخان لي، وقد شكل هذا صدمة كبيرة لهم، فبدأوا بمعاقبتي بشدة، لكنني لم استسلم لتلك العقوبات، فقد مضى على تدخيني عامين كاملين واصبح التدخين جزءا من حياتي.'بعدها أصيب والدي بإحباط كبير، يقول هاشم، لمعاندتي لهم حول منعهم لي من التدخين، واستسلموا لهذا الامر، فأمضيت خمسة عشر عاما على مقاعد الدراسة مدخنا، ومع ان والدي توفاه الله في تلك الفترة بسبب اصابته بالسرطان جراء التدخين إلا ان ذلك لم يكن رادعا لي لترك هذه العادة، حسب تعبيره.
قال هاشم:' في يوم عاصف ماطر، وبرد شديد، وجدت طفلتي ذات الست سنوات تجلس امام البيت أثناء خروجي منه، وكانت تظهر عليها علامات البرد الشديد، سائلا إياها عما تفعله هناك، فردت علي وهي تبكي ' خنقتنا بدخانك يا بابا'، ومنذ ذلك اليوم حرمت على نفسي التدخين، لأنني شعرت بأن سيجارتي ربما تقتل اطفالي، لكن كان هذا بعدما ارهقت صحتي واتعبت قلبي.
قامت (بترا) بمراقبة احد الأماكن، ليتبين وجود معضلة كبيرة، في بيع السجائر للأطفال دون حسيب أو رقيب، بل يتجاوز الأمر إلى إشعال الطفل سيجارته امام البائع دون اكتراث لمصلحة الطفل أو لقانون الصحة العامة الذي يحظر بيع الدخان للقاصرين تحت أي ظرف كان.
لذا قامت مندوبة (بترا) بإرسال طفل عمره تسع سنوات إلى احدى البقالات هناك ليشتري دخانا، وإذ به يعود حاملا علبة السجائر، متحدثا عن عدم مواجهته لأي صعوبة في شرائها، ودون أن يتعرض لأي سؤال.
وعند توجيه السؤال للبائع عن سبب بيعه الدخان للطفل، اجاب: طلب الطفل علبة سجائر لأبيه فأعطيته، فسألناه ماذا لو كان الدخان له وليس لأبيه: قال وما يدريني، اعتقد بان هذا الأمر يتحمل مسؤوليته الأهالي وليس التاجر، عليهم مراقبة سلوك أبنائهم وماذا يشترون بمصروفهم.
سألت بترا: ألا تعلم عقوبة بيع الدخان للقاصرين وما يترتب على ذلك؟ فقال البائع :' سمعت، لكني اكسب قوت يومي، والله يسترها'. أخصائي الصحة العامة والتغذية في مديرية التوعية والاعلام الصحي قسم الوقاية من أضرار التدخين بوزارة الصحة المهندس محمد انيس قال: نحن نقوم بدراسات على أطفال المدراس كل سنتين إلى ثلاث، كان آخرها دراسة لعام 2013 وظهرت نتائجها في عام 2014 تشير إلى ان (11.4 بالمائة) من الشباب بعمر (13-15) من الجنسين يقومون بتدخين السجائر، أيضا تشير الدراسة إلى وجود (26.7 بالمائة) من الشباب من عمر(13-15) يدخنون (الأرجيلة)، وهي نسبة عالية وتدل على وجود فارق بين تدخين السجائر والارجيلة وتشير إلى ازديادها وانتشارها.
وأضاف ان ارتفاع نسب التدخين لهذه الفئة العمرية يعود إلى عدة أسباب منها: ان أكثر من 50 بالمائة من هذه الفئة المدخنة يكون أحد أبويهم مدخنا، وأكثر من 62 بالمائة يتعرضون للتدخين السلبي في البيوت والاماكن العامة، وهذا يعني تعرضه لمسببات التدخين في كل مكان.
واشار أيضا إلى ان سعر السجائر في الأردن رخيص جدا قياسا للأسعار العالمية، وهذا يعني سهولة حصولهم عليها، منوها إلى دور بيع السجائر (الفردية) من البقالات للقاصرين، حيث تشير الدراسات الى أن 70 بالمائة من الأطفال لا يتم منعهم من شراء السجائر من قبل البائعين، ولم توجه لهم ملاحظة بخصوص ان شراء السجائر وبيعها لمن هم دون 18 عاما غير مسموح به.
وقال: ان قانون الصحة العامة يجرم الذين يقدمون منتجات التبغ ويبيعون السجائر للأطفال، وعقوبة ذلك تغريمهم من ألف إلى ثلاثة آلاف دينار، وبالسجن من ثلاثة أشهر إلى ستة، وهي غرامات مرتفعة ومشددة للحد من هذه الظاهرة.
وأكد أنيس على الجهد الذي تبذله وزارة الصحة بالتعاون مع المؤسسات، لزيادة الوعي لدى الأهالي المدخنين، وتحذيرهم من أضرار التدخين السلبي على أطفالهم، من خلال عقد الندوات والمحاضرات والإعلانات الهادفة.
ودعا إلى زيادة الوعي لدى المواطنين من خلال الإبلاغ عن أي حالات بيع السجائر للقاصرين، عبر منصة (خدمتكم) والدخول على موقع وزارة الصحة، حيث يستطيع تسجيل بلاغه ووضع عنوان المكان الذي شهد المخالفة فيه، ونحن نقوم بدورنا في متابعة الشكوى واتخاذ الاجراءات اللازمة، بالإضافة إلى تمكنهم من الاتصال على الرقم المباشر (065004545) لتسجيل شكاوي التدخين.
ويشار هنا الى احصائيات منظمة الصحة العالمية وهي ان نسبة المدخنين في الاردن تعد من النسب الاعلى في العالم، وتصل الى اكثر من 70 بالمائة بين الذكور حسب احصائيات عام 2015، وهي النسبة الاعلى على مستوى المنطقة، والثانية على مستوى العالم بعد اندونيسيا.
الاستشاري النفسي والتربوي الدكتور موسى المطارنة قال: ان تدخين القاصرين عبارة عن نتاج نماذج مجتمعية، يأتي من خلال الأسرة، مرورا بالمدرسة، فيتعلم الأطفال هذه العادة من باب إثبات الذات والرجولة، خاصة عندما يرى من حوله من الكبار هم المدخنون.
ويجدر بالذكر ان بعض الأسر تبث رسائل للأطفال عبر تبنيها لكلمات دون ادراك لأثرها على الطفل محتواها أن :'انك صغير ولا يجوز لك التدخين'، هنا تلقائيا يعتقد الطفل انه عندما يكبر يصبح هذا الأمر من حقه.
وأضاف ان من أهم أسباب تدخين القاصرين أيضا هي المدارس، فطلاب المرحلة الاساسية الدنيا والوسطى يرون طلاب المرحلة الأساسية العليا وهم يدخنون، فيعتقدون أنهم عندما يصلون لهذه المرحلة عليهم أن يكونوا مدخنين، من باب التأثر بالآخر، خاصة المراهقين منهم.
وأشار المطارنة إلى أن هذه الفئة العمرية (المراهقة) يكون تأثير الاقران ببعضهم كبيرا، يرافقه بيئة اجتماعية محفزة لمثل هذه السلوكيات في الأسرة والتنشئة، دون ان تضع حدودا لمقاومة هذه المحاولات، ولضعف الرقابة والوعي، يصبح التدخين عادة وأدمانا.
واوضح انه يجب ادراك خطورة التدخين على الجانب النفسي للقاصرين، حيث ان من انعكاساته النفسية عليهم، شعور الطفل منهم بالتعب مبكرا، موهما نفسه بان الحل هو تدخين السجائر ليخفف شعوره السلبي، وقد يجره ذلك لعادات أسوأ، مثل تدخين الحشيش وتعاطي المخدرات، في ظل سيادة مفهوم ' بتفش الغل' ويتجاوب مع ذلك نفسيا، مما يؤدي الى حدوث الاضطرابات النفسية والذاتية حسب تعبير المطارنة.
ويرى المطارنة ان من أهم الحلول للحد من هذه الظاهرة، هي فصل الكبار عن الصغار في المدراس، حتى يتخلص الطفل من شعور محاولة اثبات ذاته دائما امام الكبار، كسلوك التدخين في سبيل ذلك، داعيا المدارس الى تكثيف توعية الطلاب عن أضرار التدخين، مع إرشادهم للعادات الصحيحة والابتعاد عن السلبية منها.
وأكد ان على الأسرة أن تكون نماذج منفرة من التدخين، وانه عادة ضارة في الصغر والكبر، وضرب أمثلة لهم عن اناس مرضوا بشدة أو فقدوا حياتهم جراء التدخين، منوها على ان هذه الرسائل عادة ما يتجاوب الاطفال معها.
وقال رئيس قسم القلب في مستشفى البشير الدكتور فخري العكور، ان التدخين يعتبر بكل اشكاله العامل الاول في التسبب بامراض القلب، حيث يعمل النيكوتين على انسداد الشرايين التاجية وحدوث جلطات حادة قد تؤدي الى الوفاة، ويعتبر تدخين الأرجيلة اخطر بست مرات من تدخين السجائر العادية كما انه يتسبب في حدوث سرطان الرئة والشفتين والحنجرة كما بينت الدراسات أن التدخين للارجيلة يتسبب في حدوث سل الرئتين. وأضاف العكور ان الاردن تعتبر من أكثر الدول التي ينتشر فيها التدخين حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية حيث تحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية والمرتبة الرابعة في العالم.
اما بالنسبة لتدخين السجائر الإلكترونية أشار الدكتور العكور الى انها أيضا تعتبر خطيرة جدا على صحة الإنسان، حيث أن السيجارة الإلكترونية تحتوي على النيكوتين والجليسيرين ومادة البروبيلين جليكول والنكهات والكحول الايثيلي وان البخار الناتج عنها يؤدي الي تصلب الشرايين التاجية وامراض الجهاز التنفسي وسرطان الرئة. وقال ان الخطير في الموضوع هو الاقبال الشديد على تدخين هذه السيجارة من قبل طلاب المدارس مما يتهدد صحتهم بالخطر.
--(بترا)