د. رحيل محمد غرايبة لماذا وصفي التل؟ ولماذا هذا الحضور الايجابي الكبير في اوساط الاردنيين ؟ ولماذا هذا الحب الجماهيري الحقيقي له من بين رؤساء الحكومات الأردنية، وفي الوقت نفسه كيف استطاع وصفي تحقيق ما يقارب الاجماع الاردني ؟ حيث ما زال يحتفط بقدر كبير من الاحترام والتقدير من الاصدقاء والخصوم على حد سواء ومن الذين لم يشاهدوه ولم يعاصروه من الاجيال الجديدة ،الاجابة ليست صعبة ولا معقدة، وينبغي أن تكون الاجابة واضحة ومفهومة لكل الأردنيين و للشباب التواقين لمواصلة عملية البناء والنهضة والاستمرار في انجاز المشروع الوطني الكبير . أعتقد أن الإجابة ميسورة وسهلة، بل هي في منتهى البساطة، حيث أن وصفي لم يأت بالخوارق ولا بالمعجزات، ولم يكن خارج إطار الشخصية الأردنية الأصيلة بهويتها وملامحها العامة والخاصة وأشواقها وطموحاتها وطريقة تعاملها مع مشاكل الحياة العامة، وعلاقاتها مع القضايا الوطنية والقومية والقضايا السياسية على وجه الاجمال ،وهنا أميل للحديث حول ما يحس به المواطن الأردني في هذه الأيام التي لم تختلف كثيراً من حيث صعوبة الظروف وحراجتها وتعقد المشهد السياسي الإقليمي والعالمي ، ومن حيث حجم المخاطر التي تحيط بنا من كل حدب وصوب. وصفي أولاً ابن هذا الشعب الطيب النبيل، يحس بفرحه وبوجعه من خلال المعايشة والمعاناة العادية الطبيعية ، وليس عبر المراسلة والورق والمشاهدة عن بعد، ولا عبر التقمص والتكلف المصطنع ولا عبر التقليد والمحاكاة، ويدرك تلك الصلة الوثيقة بين الفلاح والأرض والتربة الحمراء، والمارس الطويل المملوء بالسنابل، ويدرك العلاقة الحميمة بين الفلاح والمحراث وعلاقة ذلك بالانتاج الوطني والاكتفاء الذاتي، ويعلم تماماً أن سر النهوض والتقدم والاستقرار للشعوب يكمن في امتلاك القدرة على تطوير العلاقة بين المواطن ووطنه وأرضه وترابه، لأنه هو السر الحقيقي للحياة والقوت المختزن في بطن هذه الأرض المقدسة التي ينبغي المحافظة عليها بحبات العرق وحدقات العيون كما يحافظ الانسان على جسده وروحه، ولذلك فإن وصفي انطلق من هذه الفلسفة البسيطة التي يدركها الإنسان بالفطرة، وانطلق بشكل عملي تطبيقي ليحافظ على الرقعة الزراعية الضيقة التي تتعرض للتآكل ، من خلال سن القوانين التي تمنع الاعتداء على الارض الزراعية، فمنع إقامة البناء السكني عليها الا لاغراض الزراعة ، ومنع تفتيت الملكية الزراعية وفق نظرة استراتيجية بعيدة المدى، حيث نلحظ غياب هذه النظرة في العصر الحاضر، فقد تحولت سهول حوران الاردنية إلى غابات من الأبنية والمنازل والعمارات، بعد أن كانت موطناً أصلياً لأفضل وأجود أصناف القمح والحبوب على مستوى العالم، وما ينطبق على سهول حوران ينطبق على سهول مأدبا، ومغاريب عمان والسلط وبقية المناطق الأردنية الخصبة. وصفي نظر للمسؤولية وموقع رئاسة الوزراء أنها حمل ثقيل ومَغرم كبير، وأنها عبارة عن موقع لخدمة الأردنيين وتسهيل حياتهم وحل مشاكلهم وتيسير تعليم أبنائهم، ورفع سوية الشباب ليكونوا قادرين على خدمة الوطن والدفاع عن حدوده ومقدراته وانجازاته ومؤسساته، ولم ينظر لهذا الموقع أنه فرصة لزيادة أمواله الخاصة وتنمية ثروته وارتفاع أرصدته، وليس فرصة للاستيلاء على الأموال العامة، ولا تحويلها إلى شركات خاصة تصب في جيوب الشلل والمحاسيب. وصفي يرى أن المسؤول الكبير يجب أن لا يختلف في طريقة معيشته ومأكله ومشربه عن طريقة الناس حوله في الأكل والشرب واللباس والاقامة والترحال ، حيث لم تظهر عليه دلالات الثراء والغنى من خلال الموقع ،ولم تظهر عليه علامات الاستعلاء على مواطنيه، ولم ينظر إليهم بشيء من الاستغفال والاستخفاف ، ولم ير نفسه أنه أفضل منهم في الأصل والعرق والجهة. وصفي لم يجعل من الانتماء الفكري والأيدولوجي عاملاً من عوامل تقسيم المجتمع، أو تقسيمه أو سبباً لاشعال الفتنة بين مكوناته ، ولم يبعد أحداً عن مواقع المسؤولية بسبب هذا التباين السياسي والفكري، بل نجد أنه بحث عن الكفاءات في صفوف المعارضين، وسلمهم المواقع و المقاعد الوزارية، وبذل جهداً واضحاً في ارجاع المعارضين السياسيين إلى وطنهم، كما بذل جهداً واضحاً في تخفيف حدة التضييق الأمني والسياسي عليهم، وتعدّ هذه مسألة بالغة الأهمية وتشكل عاملاً مهماً من عوامل البناء والاستقرار أولاً ، ومن عوامل النهوض والتطوير ثانياً ؛ من خلال توظيف جميع الكفاءات والعقول الأردنية بغض النظر عن الاتجاه السياسي والفكري، لأننا وجدنا في بعض الأحيان إبعاداً مقصوداً لبعض العقول والكفاءات القوية بسبب انتماءاتهم الفكرية واتجاهاتهم السياسية، وليس هناك اشد ضررا على الاوطان من استلام بعض ضعاف النفوس والفاسدين لمواقع المسؤولية العامة المهمة، اولئك الذين يحولون الوطن والمؤسسات العامة الى مزارع وعزب خاصة ولا يرون فيها الا بقرة حلوبا وشنطة سفر.
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات
أكتب تعليقا
رد على :
الرد على تعليق
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن
الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين
التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.