المنطقة المسمّاة «الشرق الأوسط» في الأوساط الإعلامية العالمية هي الأكثر سخونة على مدار القرن من كل مناطق العالم على الاطلاق، وهي محل الصراع المستمر بين القوى الدولية والإقليمية حتى هذه اللحظة، وما زالت المنطقة خاضعة للوصاية الدولية شبه الكاملة، وما زالت شعوب المنطقة تعاني من التدخل الصارخ في تقرير مصيرها وتحقيق تطلعاتها في التنمية والبناء والديمقراطية. المنطقة تعرضت عبر السنوات السبع الماضية لعاصفة سياسية هوجاء اختلط فيها الحابل بالنابل، واختلط فيها الحق بالباطل، وحاولت الشعوب العربية الانتفاض على هذا الواقع السياسي المزري، الذي يتمثل بوجود أنظمة فردية ديكتاتورية متسلطة وأنظمة عسكرية أو شبه عسكرية، أو نظام الحزب الواحد، المختلط بالفساد والغارق بالتبعية، ولكن الآلة السياسية المتحكمة استطاعت اختراع «ظاهرة التطرف» المريبة التي تم من خلالها إجهاض تطلعات الشعوب العربية وتشويه نضالها من أجل الديمقراطية والحياة الفضلى، وتعرضت مؤسسات الدول للتخريب والتدمير، وتعرضت مقدرات الشعوب للسلب والنهب. شكلت الأحداث السابقة بيئة مناسبة لإعادة وضع المنطقة على الصفيح الساخن أنظمةً وشعوباً، من أجل السير في موضوع التغيير الشامل، وإعادة صياغة المنطقة تحت الطرق وعلى لهيب الأحداث الساخنة، وتحاول الدول الكبرى إعادة رسم خارطة تقسيم النفوذ وترسيم حدود التدخل السياسي والعسكري. كما أن القوى الإقليمية استثمرت في الحالة لمصلحتها وإعادة لملمة أوراق قوتها من أجل التموضع وفقاً لمعالم خارطة المصالح الجديدة؛ فهناك تركيا وإيران «واسرائيل» التي تحاول جاهدة رسم ملامح صورتها في المنطقة من خلال توجيه الأحداث وحصد ثمار جهودها عبر العقود السابقة، ومن خلال علاقاتها ونفوذها وقوتها الظاهرة في الواقع والميدان ومن خلال شراء الذمم وإعادة بناء المحاور والتحالفات السياسية. العرب بكل أسف جعلوا من أوطانهم مسرحاً للأحداث الدولية والإقليمية، وملعباً للتدخل من كل القوى، وجعلوا من شعوبهم وقوداً وحطباً، واستجابوا لدعاوى التفرقة على الصعد الدينية والمذهبية والعرقية والجهوية الضيقة، وجعلوا مقدراتهم نهباً للغزاة ومحلاً للتنافس والصراع، ولم يتمكن النظام العربي الرسمي من القيام بالحد الأدنى من المسؤولية التي تتمثل بإيجاد رؤية سياسية عربية مشتركة وموقف عربي موّحد إزاء القضايا والأحداث الكبرى التي تعصف بهم، وما زالت الحالة الرسمية العربية تتصف بالعجز والضعف والتفرق المزري، مما حال دون تشكيل مشروع عربي إقليمي منافس للمشاريع الإقليمية اللاعبة على الساحة الإقليمية. يشير مسار الأحداث الجارية إلى تغيير حتمي واسع سوف يطال البنى السياسية جميعها على الصعيد الرسمي والشعبي، وسوف يؤدي مخاض الأحداث إلى ولادة أنظمة جديدة ووجوه جديدة وأحزاب جديدة وقوى سياسية واجتماعية جديدة قادرة على إعادة إحياء الشرعية الوطنية في كل قطر، بحيث تمثل الشعوب تمثيلاً صحيحاً وحقيقياً، وقادرة على تلبية تطلعات الجماهير العربية بالحرية والديمقراطية والحياة الفضلى مثل كل شعوب العالم، وربما خلال عامين أو ثلاثة سوف تعود المنطقة إلى الاستقرار المفضي إلى إعادة بناء القوة العربية بسواعد وطنية وروح وطنية وثابة منبثقة من روح الشعوب التواقة نحو التحرر الكامل والانعتاق من الاستبداد والفساد.
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات
أكتب تعليقا
رد على :
الرد على تعليق
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن
الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين
التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.