د. رحيل محمد غرايبة إنّ المتتبع للأحداث الجارية على صعيد مجتمعنا المحلي يلحظ بما لا تخطئه العين محاولات محمومة لإثارة النعرات داخل مجتمعنا، وصب الزيت على اللهب، والنفخ في الشرر المتطاير هنا وهناك، من أجل إشعال الفتنة الداخلية وزيادة نوازع الفرقة بين مكونات المجتمع الواحد. فعلى صعيد الرياضة يتم اللعب على حبل التعصب الجهوي والانتماءات الإقليمية الضيقة في كل مباراة رياضية، فبدلاً من أن تكون الرياضة وسيلة للترفيه واللهو البريء واستثمار طاقات الشباب، وتعزيز أواصر الصداقة والمحبة وتنمية عناصر الود وتعميم ثقافة التعاون والمشاركة نجد أن النتيجة تنقلب إلى الاتجاه المعاكس، وهناك جهات تحرض وتعبىء بطريقة غير مسؤولة، وقصيرة النظر، ولا تقيم وزناً للمصلحة العامة. وعلى صعيد العيش بين أصحاب الديانات، نجد من يقوم بتعكير صفو العلاقات وإثارة النعرات في كل مناسبة وعند كل منعطف، وبدلا من أن تكون الأعياد الدينية مناسبة وطنية للتزاور وتقبل التهاني والتبريكات، تتحول إلى مناسبة إلى بث خطاب الكراهية وإثارة نوازع الحقد والتعصب الأعمى، بما يخالف مبادىء الدين ومقاصده العظمى، وبما يخالف بديهيات العقل والمنطق في تعزيز أواصر القربى والجوار، وحسن التعامل وجميل التعارف القائم على الاحترام والجدال بالتي هي أحسن، وتنمية الصداقة التي تؤدي إلى التعاون على بناء منظومة القيم ونشر الفضائل والأخلاق الحسنة بين أبنائنا. على الصعيد السياسي هناك من يكذب ويدلس ويفتعل المشكلات ويزوّر الحقائق، ويستجلب الأموال من الخارج من أجل التحريض على بعض الفئات وإثارة النزاعات بكل السبل، ويتم عقد الندوات والمؤتمرات وكتابة الأوراق والأبحاث التي تعمل على إثارة الفئوية والتعصب الفكري والسياسي، ويتم الاستكتاب لمجموعة من أصحاب الأقلام المرتزقة بما يخلق الكراهية وينمي الحقد والضغينة في النفوس التي تجعل مجتمعنا ضعيفاً مفرقاً وممزقاً هشًا، وقابلاً للاشتعال في أي وقت وفي أي مناسبة. وعلى صعيد الأصول والمنابت هناك خطاب شوفيني فج يظهر بين كل حين وآخر من أجل اللعب على إثارة النعرات الواضحة التي تفوح منها آثار الخطورة على صعيد مجتمعنا الذي يقف على حواف النار المشتعلة، والأشد خطورة عندما تظهر هذه المقولات ممن هم في مواقع المسؤولية والمجالس الأعلى سلطة؛ حين يحتل هذه المواقع من لا يخاف الله ولا يقدر عواقب الكلمة ولا ينظر أكثر من أرنبة أنفه، فينفلت بكلام تفوح منه رائحة التعصب المقيت التي تفتك بالنسيج المجتمعي وتنحت بجدار الوحدة الوطنية. نحن أيها الأردنيون نعيش مرحلة خطرة من أخطر مراحل تاريخنا المعاصر، التي تقتضي منا أن نرتفع جميعا إلى مستوى المرحلة، وأن نحترم ميثاق الأخوة والعيش المشترك، والقدر المحتوم الذي يفرض علينا أن نصون مجتمعنا الواحد، بالكلمة والفكرة والموقف والمشاعر، مسلمين ومسيحيين، أردنيين وفلسطينيين، فلاحين وبدوًا، إسلاميين وقوميين، من كل الجهات ومن كل الأعراق ومن كل المذاهب والأديان، علينا جميعا أن نكون جسماً واحداً عصياً على الفتنة وعصياً على النعرات، وأن نقف بحسم ضد كل من تسول له نفسه العبث بهذا النسيج، وعدم السماح لمرضى النفوس بتحقيق مآربهم في إشعال الفتنة بين مكونات المجتمع الموحّد، وعلى المفكرين والكتاب والسياسيين ورجال الأحزاب وأصحاب الأقلام وأصحاب الصوت المسموع بالإذاعات وعلى الفضائيات أن يتقوا الله في مجتمعهم ووطنهم ويدركوا عظمة أمانة الكلمة : «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ».
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات
أكتب تعليقا
رد على :
الرد على تعليق
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن
الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين
التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.