بقلم : عبدالله محمد القاق
في الوقت الذي كانت فيه الاسرة الاردنية تستعد لاحياء الذكرى العشرين ليوم الوفاء والبيعة، ذكرى الوفاء للمغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، والبيعة لجلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله لقي ترؤس جلالنه مجلس الوزراء ودعوته الحكومة الى الشفافية ومحاسبة المقصرين ومراقبة اداء الموظفين وتطوير الاجهزة الوظيفية والاعتماد على الكفاءة في اختيارالموظفين لوظائف الدولة العليا ارتياحا كبيرا على المستويين الرسمي والشعبي لما تضمنه من توضيح للامور وتوجيهات سامية اعتبرها المراقبون منهاج عمل للمرحلة المقبلة وتأكيد حلالتة على اجياء مسيرة السلام في الشرق الاوسط وفقا لقرارات الشرعية الدولية انطلاقا من سياسة القائد الحكيمة والرائدة برفض شرعنة الاستيطان وازالة المستوطنات والجدار العازل والانسحاب الكامل من الاراضي المحتلة منذ عام 1967 بما فيها مدينة القدس وذلك تمهيدا لاعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .
ففي السابع من شباط من عام 1999، رحل جلالة الملك الباني الحسين بن طلال طيب الله ثراه، بعد قيادة حكيمة ومسيرة حافلة بالإنجازات على مدى سبعة وأربعين عاما، عاشها الحسين وشعبه الوفي، وهم يعملون من أجل الوطن وإعلاء شأنه، ومن أجل الأمة العربية والدفاع عن حقوقها الثابتة وقضاياها العادلة.
وما زالت في ذاكرة الأردنيين كلمات جلالة الملك عبدالله الثاني التي خاطب فيها أسرته الأردنية مساء ذلك اليوم حين قال « يا أبناء الأسرة الأردنية.. أيها الأهل والعشيرة..لقد كان الحسين أبا وأخا لكل واحد منكم كما كان أبي وانتم اليوم إخواني وإخوتي وانتم عزائي ورجائي بعد الله.. أحسن الله عزاءكم وإنا لله وإنا إليه راجعون."
ومنذ أن اعتلى الراحل الكبير المغفور له الملك الحسين العرش، في الحادي عشر من شهر آب من عام 1952، وهو يتطلع إلى خدمة الشعب الأردني ورفع مكانة الدولة الأردنية ، وما أن جاء يوم تسلم جلالته سلطاته الدستورية في الثاني من أيار عام 1953، حتى كانت الانطلاقة للدولة الأردنية التي أثبتت مقدرتها على التعامل مع كل الأحداث المحيطة ، على الصعيدين العربي والعالمي، وفي ظل ظروف بالغة الخطورة والتعقيد وتدخلات خارجية وتحالفات قوية، إلا أن شجاعته، وهو الذي كان يصفه العالم بالملك الشجاع، وانتهاجه سياسة حكيمة عملت على درء المخاطر عن شعب آمن بقدرة الهاشميين على تحمل أمانة المسؤولية ، وسار الأردن بخطى ثابتة وراسخة، وفقا لسياسة حكيمة انتهجها الملك الحسين طيب الله ثراه، أساسها التوازن والمصداقية واتخاذ القرارات المدروسة..
وتمكن جلالة المغفور له الملك الحسين، من بناء دولة المؤسسات الأردنية، فقطع الأردن في عهده أشواطا طويلة على طريق التطور والتنمية والتحديث ، شملت مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية والعمرانية والعلمية والثقافية، وسواها من الميادين..
وكان الراحل العظيم، دائم التواصل مع أبناء أسرته الأردنية الواحدة يزورهم في مضاربهم ومدنهم ومخيماتهم، يتفقد أحوالهم ويتلمس احتياجاتهم ويصدر توجيهاته للحكومات لتنفيذ المشروعات التنموية وتوزيع مكتسباتها بعدالة على الجميع ، فاعتمدت الحكومات المتعاقبة الخطط التنموية لتشكل حزما من البرامج للنهوض بالمجتمع الأردني، فارتفعت نسبة التعليم ومعه المدارس والمعاهد والجامعات، وارتفع مستوى المعيشة وتحسنت نوعية الحياة، وازدهرت الحياة الاقتصادية، ونشطت الصناعات المختلفة، كالتعدين والفوسفات والبوتاس والاسمنت وغيرها، ونمت التجارة خاصة مع توفر شبكة من الطرق والمطارات الدولية وميناء قادر على استيعاب حركة التجارة العالمية.
وفي عهد المغفور له الملك الحسين، فقد تم تنفيذ العديد من المشروعات الزراعية الكبيرة، كشق قناة الغور الشرقية، التي تروي مئات الآلاف من الأراضي في غور الأردن، وكذلك إنشاء سدود عديدة، وحفر الآبار الارتوازية، بهدف تخزين المياه واستصلاح مساحات واسعة من الأراضي. وكذلك تم تنظيم القطاع الزراعي من خلال تطبيق النمط الزراعي ووضع الأسعار التشجيعية وتأجير الأراضي بأجور رمزية، وتوزيع الأراضي الصالحة للزراعة في المناطق الصحراوية على أبناء البادية ونقل التكنولوجيا وتقديم القروض والإرشادات الزراعية لهم.
وكان شعار المغفور له الملك الحسين « الإنسان أغلى ما نملك « ترجمة لاهتمامه بالإنسان الأردني ودعوته إلى أن يكون الاستثمار في الإنسان الأردني تعليما وتدريبا هدفا ساميا، لإعداد جيل قادر على التحليل والتفكير والإبداع ومواجهة التحديات.
واجه الأردن ومنذ بدء عهد الحسين رحمه الله تحديات صعبة تمثلت أولها بضرورة تحقيق السيادة الوطنية الكاملة، فتوجه نحو تعريب قيادة الجيش ونقلها إلى الأردنيين، فتحقق التعريب في الأول من آذار عام 1956، وأحدثت خطوته السيادية الجريئة نقلة في رؤية العرب والعالم للدولة الأردنية، واعتبرها الجميع خطوة ذكية وجريئة، واتبعها جلالته بإلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية في شباط عام 1957، لإكمال السيادة الوطنية والاعتماد على الذات في مواجهة المستقبل باعتبار أن المصلحة الوطنية هي العليا دائما.
لم يتوان الحسين يوما عن تقديم الدعم والمساندة لإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وبقي طوال سنوات عهده متمسكا بحقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، وراعيا للمقدسات الإسلامية على أرض فلسطين الطهور، حيث استمر الاعمار الهاشمي للأماكن المقدسة في القدس الشريف، الذي كان بدأ منذ عام 1924 برعاية الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه.
وفي كتابه «مهنتي كملك « قال المغفور له «لقد دفن جدي الأكبر في القدس ومات جدي على مرأى مني في القدس أيضا وإنني أنتسب إلى الجيل الرابع من أولئك الذين ناضلوا في سبيل الحرية والاسترداد الكامل لترابنا الوطني وسأواصل النضال في هذا الاتجاه حتى آخر قطرة من دمي».
وكان هدف تعزيز التنسيق العربي المشترك، وتمتين علاقات الأردن بالأشقاء العرب، هاجس المغفور له الملك الحسين، الذي آمن دوما أن حل المشاكل والنزاعات والقضايا الخلافية بين الدول العربية يجب أن يتم من خلال التمسك بالمصلحة العليا والإيمان بالمصير المشترك للأمة العربية.
وقد عمل الملك الحسين يرحمه الله وبذل كل الجهود من أجل إنجاح مؤسسة القمة العربية وتعزيز دور جامعة الدول العربية والالتزام بكل قراراتها، فكان اعتراف الأردن بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني تأييدا وانسجاما مع قرار العرب الذي اتخذوه في قمة الرباط عام 1974.
وما أن اندلعت الانتفاضة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية في أواخر عام 1987 حتى بادر الأردن إلى اتخاذ كل الإجراءات والتدابير لدعم صمود الأهل في الأراضي المحتلة وتخصيص رواتب لأسر الشهداء وتقديم المعونات المالية لطلبة الجامعات.
وفي عام 1988 تم فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية، والذي اتخذه المغفور له الملك الحسين، استجابة لرغبة الأشقاء العرب ورغبة منظمة التحرير الفلسطينية، ما أتاح المجال أمام الأشقاء الفلسطينيين للدخول في عملية تفاوض مع إسرائيل أفضت إلى توقيع معاهدة أوسلو عام 1993.
لقد كانت هذه رؤية جلالة المغفور له الحسين طيب الله ثراه الثاقبة والصائبة، فما أن وقع القدر المحتوم وما أن كانت مشيئة الله سبحانه وتعالى باختيار الأب والملك والإنسان إلى جواره راضيا مرضيا حتى كانت الوقفة الأردنية العظيمة التي آمنت بالقدر واستوعبت الحدث، فوقف الأردنيون بعزة وإباء إلى جانب الابن الملك والأسرة الهاشمية بهذا المصاب الجلل، فكان الوداع المؤثر للحسين في السابع من شباط 1999، يوم تجديد البيعة للقيادة الهاشمية الحكيمة.حفظ الله جلالة القائد والرائد والباني جلالة الملك عبدالله الثاني ذخرا وسندا للاسرة الاردنية الابية وللامتين العربية والاسلامية لانجازات جلالته المتواصلة في توفير الحياة الكريمة والعصرية للمواطنين خاصة وان حلالته اسهم عبرالسنوات العشرين الماضية يشكل كبير في مواصلة النهج الحكيم الذي اختطه حلالة القائد الراحل الحسين طيب الله ثراه في مواجهة التحديات بخطى ثابتة وعاقد العزم على تحقيق النمو والازدهار وتوفير الحياة الكريمة للمواطنين. .
رئيس تحرير جريدة سلوان الاخبارية