بقلم : عبد الله محمد القاق
تمثل مبادرة السلام العربية التي اقرت في قمة بيروت عام 2002 وفحواها ان السلام الدائم والعادل والشامل لا يتحقق الا بانسحاب اسرائيل الشامل من الاراضي العربية المحتلة وحل القضية الفلسطينية واقامة الدولة وعاصمتها القدس الشريف وهو ما اصطلح عليه بـ حل الدولتين خطوة جادة نحو انهاء الصراع العربي الاسرائيلي، وهي التي صيغت بعناية واهتمام كبيرين من قبل سياسيين العرب، وقدمها الملك عبدالله بن عبدالعزيز الى قمة بيروت، ليصار الى الموافقة عليها لانها كانت نتاج القمم العربية السابقة، وما اتفق عليه مع الدول الكبرى لحل هذه القضية المحورية باقامة الدولة الفلسطينية.
غير ان اسرائيل عبر حكومتها اليمينية المتطرفة ما زالت ترفض كل الاتفاقات التي اقرتها الامم المتحدة في شأن حل هذه القضية والتوصل الى اتفاقية سلام من شأنها اعادة الهدوء والامن الى المنطقة، في ضوء قرارات الامم المتحدة 242 و338 و181 وغيرها من القرارات التي اعتمدت في مؤتمر مدريد او مؤتمر انابوليس، الذي دعا اليه الرئيس الامريكي السابق بوش من اجل السلام في المنطقة.
ولعل زيارة الوفد العربي للسلام الى الولايات المتحدة، وما تردد عن مباحثاته هناك والتي نقلها الناطق بلسان وزارة الخارجية الامريكية واكدها وزير الخارجية كيري من ان الوزراء اتفقوا على تعديل المبادرة بأن يتم تبادل للاراضي بين الفلسطينيين والاسرائيليين، كانت خطوة جديرة بالتساؤل والحديث هل بقي شيء من الاراضي الفلسطينية ليقدمها العرب لاسرائيل في اطار التنازلات المستمرة من اجل ايجاد السلام بالمنطقة؟ وهل الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على لبنان وسورية منذ ايام، توحي بان اسرائيل ترغب في تحقيق السلام؟ ان تصريحات نتنياهو الاخيرة بضرورة اعتراف العرب والمسلمين بالدولة اليهودية نسفت كل المبادرات المطروحة على الساحة للنقاش، خاصة وان مثل هذا الاعتراف الذي لم تتضمنه اتفاقية اوسلو من شأنه ان يسهم في المستقبل القريب بطرد الاخوة الفلسطينيين عام 1948 من اراضيهم الى مناطق اخرى وهذا ما لا يقبله العرب باي شكل من الاشكال بالرغم من تعهد حكومة اوباما بانها سوف تسعى الى تحقيق السلام والذي من شأنه دعم توجهات ومخططات اسرائيل بغية حماية امنها واستقرارها ولو كان ذلك على حساب العرب او الفلسطينيين.
ان مبادرة السلام العربية والتي رفضها نتنياهو جهارا نهارا في الكنيست مؤخرا والتي تعتبر خريطة طريق للعرب، لتحقيق السلام العادل لا تحتاج الى ادنى تعديل لانها اصبحت في نظر الصهاينة في عداد الموتى الا اذا عدلت واشتملت على اقامة الدولة اليهودية.. وهذا يعني للاسف المزيد من التنازلات لصالح اسرائيل بدعم امريكي واوروبي، الامر الذي يعني الاستسلام للمطالب الاسرائيلية والامريكية، وهذا يتطلب الرفض العربي لهذه المطالبات والابقاء على المبادرة دون اي تعديل.. سواء اكان ذلك بتبادل طفيف كما يرى بالاراضي.. ام بتغيير الجوهر بالاعتراف بالدولة اليهودية والتي لم تكن لها اية اشارة في اتفاقية اوسلو التي عقدت بين الفلسطينيين والاسرائيليين برعاية امريكية.
لا اعتقد ان الزيارات المكوكية التي يقوم بها جون كيري للمنطقة ستحقق السلام اذا لم تتوقف عن المطالبات الرامية بتعديل مبادرة السلام العربية، او استمرت في سياستها بدعم اسرائيل للقيام بعدوان على لبنان او سورية او ايران، خاصة وان انحراف اليمين المتطرف في اسرائيل عن حل القضية الفلسطينية والتوجه نحو الملف الايراني بالمطالبة بضربة جوية سريعة لايران مع تشديد العقوبات الاقتصادية عليها من شأنه ان يفاقم الاوضاع في المنطقة، ويحول دون تحقيق السلام المنشود، خاصة وان كل الدلائل تشير إلى ان الليكود الاسرائيلي الذي يعتمد العرب عليه في حل القضية الفلسطينية جوهر الصراع في المنطقة لا يختلف عن سياسة كاديما او حزب العمل بتوصيف سلام اسرائيل.. وانهم كلهم يسيرون نحو استسلام العرب.. فاريل شارون الارهابي ارتكب مجازر في فلسطين، وايهود باراك كان داعيا لحرب غزة.. وهذا يعني ان لا فرق موجودا بين اليمين واليسار لحل القضية الفلسطينية سوى رغبة اسرائيل في اخضاع العالم العربي لشروطها.
لقد اتخذ مؤتمر انابوليس الشهير في احد قراراته وتعهد الرئيس السابق بوش بتنفيذها ان يكون عام 2008 موعد التوصل الى اتفاق نهائي لاقامة الدولتين وكلفت الولايات المتحدة بتحقيق ذلك.. فماذا حصل.. لقد طويت قرارات هذا المؤتمر، وبدأت التحركات في عهد بوش للقفز عليها وتجاوزها ارضاءا لاسرائيل، فهل يؤمل من الرئيس الامريكي اوباما ان يسعى لايجاد حل لهذه القضية وهو في ولايته الثانية خاصة وان تصريحاته تدل على ان لا جدية في الموقف الامريكي من اجل تحقيق السلام بالمنطقة بل مواصلة الدعم الاسرائيلي بشتى الوسائل وعبر كل المحافل.
لقد اعتبرت ليفني وزيرة العدل الاسرائيلية العرض الذي تقدمت به الجامعة العربية بتبادل الاراضي بين اسرائيل والفلسطينيين كخطوة للسلام ووصفت ذلك بأنه يرسل رسالة جيدة لاسرائيل.. وهي اما ان تأخذها او ترفضها، وهذا يعني انها ليست ملزمة بها.. فالتعديل المقترح للاسف من شأنه ان يتيح المجال لاسرائيل للاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى بالضفة الغربية، حيث تقيم غالبية المستوطنين، بينما سيحصل الفلسطينيون على اراض تحت السيادة الاسرائيلية حاليا كتعويض.
ان الحديث عن اية تعديلات على المبادرة العربية للسلام من شأنه المساس بالحقوق والثوابت الفلسطينية، وان كانت هذه المسألة لقيت قبولا لدى مسؤولين بالسلطة الفلسطينية، خاصة وان المبادرة لم تحقق للشعب الفلسطيني اي تقدم في المفاوضات العربية الاسرائيلية، بل ان شارون وصفها بأنها لا قيمة لها.. على الاطلاق وايده نتنياهو في اكثر من مناسبة ولعل مثل هذا التعديل يلقى استجابة لدى السلطة الفلسطينية إذْ قال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ان مقترحات رئيس الورزاء القطري حمد بن جاسم حول تبادل الاراضي مع اسرائيل في نطاق مبادرة السلام العربية.. ليس بالامر الجديد.. وانما يعكس الموقف الرسمي الفلسطيني، وان دولة فلسطين بوصفها مستقلة كما يقول الدكتور عريقات يمكنها التفكير في اطار اجراء تعديلات طفيفة على حدوها مساوية في المساحة والنوعية في المنطقة الجغرافية.
فاذا كان كبير المفاوضين الفلسطينيين يعترف بامكانية التبديل بالمبادرة، فلماذا يحاول بعض العرب اخفاء ما طرحوه امام كيري ؟ فهل كانت جولة اوباما الاخيرة بالمنطقة بداية لاطلاق هذه التعديلات على المبادرة كخطوة لاطلاق المفاوضات بين الجابنين الفلسطيني والاسرائيلي ؟
اعتقد ان الدول العربية يجب ان ترفض اي مقترح لتعديل مبادرة السلام، لأن اسرائيل سترفضها بشكل نهائي مهما ادخلت اية قمة عربية مقبلة تحسينات او تصورات جديدة عليها، لان اسرائيل هدفها الحصول على الموافقة العربية باقامة الدولة اليهودية اولا وقبل كل شيء، وعدم الاذعان لأية قرارات دولية تجبرها على السلام دون موافقتها عليها وبشروطها وبالوقت الذي تختاره ايضاً
رئيس تحرير جريدة الكاتب العربي الاردنية abdqaq@orange .jo