للمطر رونق خاص بداخلنا ، بقطراته العذبة ورائحته الفوّاحة تشعرنا بالأمل وتخبرنا بأنّ الخير آتي ، فتجدنا ننتظره بفارغ الصبر .. لينشر على وجه الأرض تفاؤل من نوع خاص : ما زالت الحياة مستمرة وما زال الأمل موجوداً ، وما زالت تلك القطرات تنهمر وتطرق نافذتك بلطف ، فتذهب لتتأملها عن قرب .. وتقف أمام النافذة تراقب جمال المطر ، فترتسم على شفتاك الابتسامة وتنسى همومك ولو للحظات بسيطة ، وتشعر بالحنين إلى كل شيء ، وإلى طفولتك .. وإلى كل تلك السنين التي مضت من عمرك ، ستحنّ إلى قلوب افتقدتها وأحاسيس نسيتها .
ذاك الهواء الذي أرجح ستائر منزلي .. وتلك القطرات التي سقطت متراقصة على شباك غرفتي .. لا كلمات ولا أشعار تستطيع وصف وقعها على النفس ، فنحن نسمع صوت سقوط المطر ولا نسمع صوت هبوط الثلج ، نسمع عجيج الآلام الخفيفة .. ولا نسمع صمت الآلام العميقة ، فالآم والهموم تصب كل الخلق .. كما هي عدالة السماء بالتساوي ، .. فالمطر الذي ينزل على ذاك المنزل الفخم وذاك القصر .. هو نفسه الذي ينزل على منازل المعدمين ، نفس الكم ونفس النوع .
وهناك من الليالي الماطرة الصاخبة المرتعدة .. ما تخيف النفوس .. وتوقظ محطات من ماض به مواقف تعسة .. مخيفة .. لتعود بالذكرى برفقة هذا المطر الشديد .. بحباته الغزيرة وصوت دويّه ورعده ، مترافقة ببرقه الذي يضيء لثوان معدودة ما في اعماق أعماق النفس من ألم وآهات ، ليكشف عنها ويدعك تعيش الألم نفسه .
ورغم كل ذلك .. رغم نعومة وعذوبة المطر .. ورغم شدته وقسوته أحياناً أخرى ، فإنه يفارقنا تاركاً أثراً جميلاً ونعماً كثيرة خلفه ، به ستزهو الزهور والرياحين وبه تعود اوراق الاشجار وحبات الثمار لتحيا من جديد .. فهو يقسو .. ولكنه يترك خلفه نهايات جميلة ، لا كباقي البشر .