جمال ابراهيم المصري
ربما أنت قارئي الكريم أو ربما الكثيرين ممّن تعايشهم في حياتك اليوميّة ، تسمعهم يرددون من حين لآخر تمنـّي الموت .. لضيق عيش أو لمعاناتهم من مرض ما أو لفقدان عزيـز أو لخسارة مال ومـتاع دنيا ، وهذا التمنـّي أو الدعاء على النفس نهانا عنه رسولنا الكريم المحبـّة المهداة ، في كثير من الأحاديث الشريفة ومنها : ( لا يتمنين أحدكم الموت لضرّ أصابه فان كان لابد فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني ما كانت الوفـاة خيراً لي ) .
فإن العمر من ساعات وسنوات للإنسان إنما هو كرأس المال للتاجر .. فوجب عليه أن يتـّاجر به بما يجلب عليه الربح وينمـّيه ، وكلما زاد رأس المال زاد النـّفع والرّبح .. وهذا هو وقت الإنسان تماماً كرأس المال .. وجب عليه اغتنامه وعدم ضياعه هدراً ، فمن حسن عمله حسن في النهاية أجره ومفازة ، فخير الناس من طال عمره وحسن عمله .. وما أتفه وأتعس من أهدر حياته بالانتحار وزهق الروح للخلاص من مصيبة ألمّت به أو في سبيل مال أو لأجل فتاة أحبها ولم ينلها .. فيطلق رصاصة على رأسه أو يشرب سمّاً أو يلقي بنفسه من مكان مرتفع وبغيرها من الوسائل .. ألم يعلم هذا الشخص أن الإنسان يبعث على ما مات عليه ؟ فإن مات ساجداً أو حاجاً أو معتمراً أو قارئاً للقراّن أو لسانه رطباً بذكر الله فإنه سيبعث على هذا الحال .. ومن مات مخموراً أو منتحراً أو نجساً أو آكلاً للرّبا فإنه سيبعث على حاله .
فالمسلم المؤمن إما هو محسن وفي تقرّب دائم من الله سبحانه وتعالى وطاعته .. وهنا فالموت يحرمه من الاستمرار في ذلك ، وإما هو مسيء وعاص ولعلّه يصحو ويندم ويتوب وتدركه الأيام فيكسب منها المـوت على توبة ومغفرة من الله .. ولهذا كانت الحكمة بعدم تمني الموت ، ويجوز تمني الموت على سبيل الاستثــناء في حالة انتشار الفساد والفتنة وخوف المرء على نفسه من الفتنة في دينه ، أو تمني الموت في أرض شرّفها وكرّمها الله ليدفن فيها ، أو تمني الموت نيلاً للشهادة في سبيله جلّ وعلا شأنه .
ونختم حديثنا هذا بهذه الرواية .. فقد روى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنهما أنه قال : ( كَانَ رَجُلَانِ أَسْلَمَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُشْهِدَ أَحَدُهُمَا وَأُخِّرَ الْآخَرُ سَنَةً . قَــالَ طَلْحَةُ بْــنُ عُبَيْدِ اللَّهِ : فَأُرِيتُ الْجَنَّةَ ، فَرَأَيْتُ فِيهَا الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا أُدْخِلَ قَبْلَ الشَّهِيدِ ، فَعَجِبْتُ لِذَلِكَ ، فَأَصْبَحْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُــولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْـدَهُ رَمَضَانَ ! وَصَلَّى سِتةَ آلافِ رَكْعَةٍ أَوْ كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً ! صَلاةَ السَّنَةِ ) .