جمال ابراهيم المصري
ليس بطبعي التشاؤم ، ولكن التشاؤم غزا تفكيرنا وعيوننا غصباً عنـّا ، وربما أن هنـاك الكثيرون يؤازرونني لأننا نعيش جميعاً نفس الواقع ، واقع القذارة والأوساخ التي تملأ عالمنا في هذا الكون ، فالبيئة من حولنا اجتاحتها الأوساخ .. أوساخ المصانع والهواء والميـاه والمسلسلات والبرامج الفارغة .. إلا من التفاهات لتملأ الدقائق والساعات الثمينة من أعمارنا وتسرقها منـّا .. أوساخ الكتب والمقالات التي لا طعم ولا لون ولا هدف من ورائها .. أوساخ الألسنة المتفنـّنة بالنميمة وبالهمز واللمز والكلمات الفارغة من أي معنى أو فائدة ، فقط لمجرّد الثرثرة وتعبئــة أوقات الفراغ والتي ما أطولها عند بعضهم .
وحتى العقول أصبحت متسخة ، وأصبحت مجرّد عقول ملونة بأوساخ الفكـر البالي .. كـلّ شيء طالته القذارة وتراكمت عليه الغبار والأتربة بل وحتى القاذورات ، وعندما كبرنا اكتشفنا أن ما تعلمناه طوال سنين الدراسة لم يكن سوى تفاهات وأوساخ وخرافات .. لم نجدها تتعلـّق أو تفيد بأيّ من مناحي حياتنا الواقعيّة .. فقد كانت مجرّد كتب عبئت بكلمات لتصبح جملاً فأسطراً لتبلغ وريقاتها من السّماكة ما يسمح لها لأن تسمى ( كتب ) وأن تفرض علينا رغماً عن أنوفنا .
حتى بعضاً من أنواع الصابون والمنظفات بأشكالها وألوانها الكثيرة المتعـددة الألوان والروائح والنكهات .. أصبحت هي متسخة وبحاجة لمادة أخرى لتنظيفها ، فهل سيأتي يوماً لنصدم بأن الصابون نفسه قذر متسخ ! ؟ إذاً ماذا سنستعمل لتنظيف أجسادنا من القاذورات المتعلقة بها بعد ذلك ؟ ، فعلينا أولاً تنظيف العقول ، لآن هذا سيوفر على البلديات والحكومات الكثير الكثير .. فالمثقف لن يرمي بالأوساخ في الطرقات .. ولن يقوم بالعمل على غشّ الصابون ومواد التنظيف .