الشاهد - عبد الله القاق
واخيرا اعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان النظام الرئاسي وحقق فوزا كبيرا بالانتخابات الرئاسية والبرلمانيةونال مرشحه محمد علي يلدرم رئاسة مجلس النواب بعد ان اجرى في الأسبوع الأخير من حزيران يونيوالماضي انتخابات مُبكرة، أي قبل 16 شهراً من موعدها، الذي كان مُقرراً في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، فهذا يعني أن هناك أسباباً دفعته إلى اتخاذ هذا القرار، بما يؤشر إلى ملامح الأزمة التي تعيشها تركيا في هذه المرحلة من تاريخها؛ وهي أزمة ليست خافية على المتابع المهتم بالتوجهات السياسية التركية، ومحاولاتها إيجاد دور إقليمي مؤثر لها في قضايا المنطقة وملفاتها المتشابكة. ثم، أن يخوض حزب أردوغان، «الإسلامي» مع حزبه، حزب العدالة والتنمية، الانتخابات بالتحالف مع حزب الحركة القومية «اليميني.
لقد اء قرار تبكير الانتخابات بعد عام ونيف من الموافقة على توسيع صلاحيات الرئاسة التنفيذية (في استفتاء 2017)، بما نسبته 51.4 في المئة - فقط - من الأصوات، على رغم التغطية الواسعة والمحاباة التي حصلت عليها حملة «نعم» في وسائل الإعلام التركية، فهذا يُلمِح إلى أن تركيا تتوجه إلى انتخابات ترسم مستقبل البلاد، وتؤسس لنظام سياسي جديد يتحلل من الإرث الأتاتوركي، وتصنع دولة ذات توجهات بديلة عنه؛ بما يؤشر إلى محاولة أردوغان تأسيس «الدولة الأردوغانية» على أنقاض دولة أتاتورك. وهنا، يكفي أن نتذكر الأحداث التي أعقبت محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا في حزيران 2016 ودلالاتها في هذا الإطار.
ولعل أهم المؤشرات الدالة على ذلك، أنه قبل يوم واحد من الإعلان عن الانتخابات المُبكرة، كان مجلس الأمن التركي قد وافق على تمديد حالة الطوارئ للمرة السابعة، حتى تموز (يوليو) 2018؛ وهو ما يعني أن الانتخابات المقبلة سوف تجري تحت مظلة «حالة الطوارئ»، وأن أهمية هذه الانتخابات تعود، في ما تعود إليه، إلى أن الرئاسة التنفيذية ستدخل بعدها حيز التنفيذ.
صحيح أن أردوغان هو الرئيس بالفعل، ولديه سلطات واسعة بالنظر إلى حالة الطوارئ المفروضة حالياً في البلاد؛ لكن يبقى من الصحيح، أيضاً، أن هذه الانتخابات هي الترجمة العملية للتعديلات الدستورية، التي تم إقرارها قبل ثلاثة عشر شهراً، تلك التي تتضمن تخويل الرئيس صلاحيات واسعة، كما تفتح الباب أمام أردوغان للبقاء في منصبه حتى العام 2029. هذا، فضلاً عما منحته هذه التعديلات للرئيس من حق الاحتفاظ بصلات مع حزبه السياسي، بما يسمح لأردوغان رئاسة حزب «العدالة والتنمية» من جديد. وبالتالي، فإن الرئيس التركي إذا فاز بالانتخابات المُبكرة، وهو أمر مُرجح، ستكون سلطاته أشمل وأوسع، وبشكل رسمي. يكفي، مثالاً على ذلك، أن منصب رئيس الوزراء سوف يختفي، وأن الرئيس سيمتلك سيطرة أكبر على البرلمان؛ بل، وفي بعض الحالات، سيكون بوسعه إصدار تشريع بموجب مرسوم رئاسي.
هذه الانتخابات يتم تصويرها على أنها «طوق نجاة» لما يُعانيه الاقتصاد التركي من نزيف، وتراجع في سعر صرف الليرة التركية وهبوطها لأدنى مستوى لها في تاريخها أمام الدولار الأميركي. ولذلك، ليس من الغريب أن يحرص المسؤولون الأتراك على التأكيد أن التذبذبات التي شهدها سعر صرف الليرة، لم يكن نابعاً من أسباب اقتصادية، وإنما تعود إلى أسباب واعتبارات سياسية خارجية. والأهم، هو المحاولات المستميتة لإبراز الانتخابات الرئاسية، والبرلمانية، المُبكرة كنقطة تحول إيجابية في مسار الاقتصاد،
ونُلاحظ، من جهة أخرى، كيف يُحاول المسؤولون الأتراك استثمار نتائج عمليات الجيش التركي في «عفرين»، في شكل يتم فيه تصوير أن هذه العمليات قد أعادت للجيش هيبته، التي أُهدِرت بعد المحاولة الانقلابية قبل أقل من عامين.
والواقع أن العمليات العسكرية التركية ساهمت ليس، في ارتفاع صوت المعارضة الداخلية لأردوغان ونظام حكمه، فحسب؛ ولكن، أيضاً، ألقت بظلالها على علاقات تركيا مع روسيا وإيران والعالم العربي، أي أن ذلك التأثير لم ينحصر فقط على علاقات أنقرة مع حلف شمال الأطلسي «ناتو»، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. في هذا السياق، يبدو أن الخط المستقيم الواصل بين هاتين الجهتين، يؤكد من جديد تلك النقطة المركزية التي تتمثل في البحث عن «شرعية» جديدة للنظام التركي الحالي، عبر الانتخابات المُبكرة. إذ، يراهن النظام التركي على أن تأسيس هذه الشرعية، الجديدة، سوف ينطبع إيجابياً، داخلياً، وكذلك خارجياً خصوصاً على علاقات تركيا الدولية المتأزمة في الأساس مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نامل للرئيس التركي الجديد في اصلاحاته الشاملة المزمع تنقيذها كل التوفيق والنجاح ليحقق للشعب التركي كل ما يصبو اليه من تقدم واستقراروطمأنينة وامان.