د. رحيل محمد غرايبة
الصورة الحضارية التي رسمتها الجموع الشعبية في الأيام القليلة السابقة في معظم مناطق المملكة في اسلوب احتجاجها حققت نجاحاً حقيقياً وفعلياً يمكن أن يشكل خطوة اولى في الاتجاه الصحيح, خاصة في ظل استجابة القيادة لمطالب الشارع باقالة حكومة الأزمة, والايعاز بتشكيل حكومة جديدة معنية بحل الأزمة، مع التكليف الواضح بضرورة الشروع في حوار وطني واسع مع الفعاليات الحزبية والنقابية والمجتمعية حول إيجاد منظومة تشريعية ضريبية عادلة.
الاحتجاج السياسي السلمي الايجابي الناجح هو الذي يقدر خطواته بدقة وعناية, ويلتقط الفرصة السانحة في تحقيق الخطوة الصحيحة في الاتجاه السليم ومواصلة البناء المتراكم عليها من خلال منهج اصلاحي توافقي متدرج، يقوم على تفعيل المشاركة الحقيقية بين الجهات الرسمية والشعبية؛ من أجل الانتقال بالدولة الأردنية نحو آفاق الاصلاح الوطني الشامل بهدوء في ظل ظروف محلية استثنائية صعبة وظروف اقليمية بالغة الخطورة.
خطاب التكليف لامس مجموعة من القضايا الوطنية المهمة التي برزت في خطاب الفعاليات بوضوح خلال الأيام السابقة, خاصة فيما يتعلق باعادة النظر بالمنظومة الضريبية ونظام الخدمة المدنية، وضرورة الموازنة بين الضريبة من جهة وبين الخدمة المقدمة لدافعي الضرائب من الجهة الآخرى, وكذلك الأمر الواضح بضرورة الشروع بفتح حوار وطني شامل حول مختلف قضايا الاصلاح المطلوبة على الصعيد السياسي والاقتصادي والتعليمي والتربوي وعلى صعيد شبكة النقل الحضارية التي تحقق الأمن المجتمعي الشامل.
الحكومة الجديدة جاءت على خلفية أزمة حقيقية متفاقمة، كانت ثمرة لنهج إداري واقتصادي متراكم، اسهمت بايجادها حكومات سابقة عديدة, مما يؤكد اولوية الحكومة المكلفة الأول بحل الأزمة من جذورها بعيدا عن اسلوب المسكنات وبعيدا عن اسلوب معالجة الاثار الجانبية لاصل المرض, ويستطيع رئيس الحكومة الجديد أن يتكئ على خطاب التكليف التاريخي المفصلي في إحداث نقلة حقيقة ملموسة لدى الشعب الأردني وخاصة جموع الشباب الممتلئة بالحماس والاندفاع الايجابي في خدمة وطنهم وصناعة مستقبلهم بأيديهم.
ما حدث لدينا مؤخرا يشكل درساً عميقاً لكل الجهات والأطراف السياسية بلا استثناء, وخاصة الأطراف الرسمية على وجه التحديد؛ بأن الشعب الأردني ما زال يختزن في اعماقه العزم المؤكد والارادة الصلبة الي لا تلين بشأن المضي الحاسم في طريق الاصلاح بمسؤولية وحسن تقدير, وهنا ينبغي الإشارة إلى بعض الفئات من النخب السياسية التي أمعنت بتجاهل مطالب الشارع, ولم تكف عن ممارسة الاساليب القديمة في محاولة استغفال الجماهير والتحايل على مطالبها، واصرارها على مناقضة نهج الاصلاح السياسي التشاركي الذي تتبناه الجماهير التواقة لبناء وطنها ومستقبلها بطريقة صحيحة.
نحن أمام فرصة حقيقية عظيمة في وسط هذه التحديات الصعبة من أجل الانطلاق الحاسم في مواصلة مشوار الاصلاح الطويل الذي تعرض لمجموعة من العوائق المفتعلة في طريق تطلعات الشباب, وهناك بارقة أمل حقيقية في اتمام بناء دولتنا الأردنية الحديثة النموذج بهمة الشباب والأجيال القادمة بأذن الله.