د.رحيل محمد غرايبة
صلاة الجمعة عبارة عن مؤتمر أسبوعي لأهل الحي أو سكان القرية أو التجمعات السكانية حيثما وجدت، من اجل بحث اهم المسائل التي تتعلق بحياتهم الجماعية على صعيد الدنيا والاخرة ، وهذا أمر طيب وجميل، وكلما كان الخطيب موفقاً في لمسه للمشاكل الظاهرة على مستوى البلد أو المدينة أو الدولة أو الإقليم،كلما كان اقرب الى مقصد الجمعة الحقيقي. وعندما يحاول أن يقدم علاجاً أو رؤية واقعية للمصلين، فيصحح مفهوماً أو يعدل سلوكاً أو يشير إلى خلل اجتماعي أو مشكلة مؤرقة، ويكون ذلك مدعوماً بالشواهد والأدلة من الآيات أو الأحاديث أو أقوال بعض الحكماء، فهذا هو المطلوب وهذا هو المضمون الحقيقي لهذا التجمع الأسبوعي.
كان يتم توجيه النقد سابقاً لخطيب الجمعة أنه مستغرق في شأن لا يهم الناس وليس له صلة بالواقع، أو أنه يقتصر في حديثه عن مواضيع الوضوء والحيض والنفاس، ويتخلى عما يشغل العقل الجمعي من قضايا كبرى مهمة مثل الاحتلال، والغزو الأجنبي أو السطو على مقدرات الأمة، أو عندما لا يجرؤ على انتقاد الفساد الذي يمارسه أصحاب النفوذ والسلطة، أو لا يلتفت إلى كبريات القضايا وما يشغل الرأي العام.
مفهوم صلاة الجمعة ينبثق من مفهوم الإسلام ومن مفهوم الدين والتدين بشكل عام، حيث أن الدين جاء ليزكي النفوس ويرفع الغشاوة عن الأبصار، ويفتح منافذ التفكير للعقل، ويطلب من الفرد أن يكون شخصية مسؤولة يملك الوازع الديني والضمير الحي الذي يجعله أميناً على أعراض الناس، وأميناً على المال العام، وقادراً على التعامل مع الناس بطريقة حضارية راقية على مبدأ" عامل الناس كما تحب أن يعاملوك"، من أجل تقليل منسوب المشاكل في المجتمع، ومن أجل دفع الروح الإيجابية بين جموع الناس.
كما أن الدين جاء ليساعد الإنسان على مهمة الاستخلاف في الأرض وإعمار الكون وحمل رسالة الخير، ومن أجل أن يجعل منه شخصاً متعاوناً على أمور البر والتقوى، وكل ما يحقق المصلحة العامة للفرد والمجموع، وربما تكون صلاة الجمعة هي إحدى الوسائل المهمة لإعادة بناء القيم الجمعية النبيلة بطريقة سهلة ميسورة وبلغة مفهومة، تستند إلى حقائق الدين وقواعد الإسلام العامة ومنظومته القيميّة الراشدة.
جهد الخطيب بهذا السياق، وتفاعل المصلين معه فيما يخص شأنهم العام أمر لا يخرج عن مقتضى فهم الدين والإيمان، بل هو من صلب الدين وثمرة الإيمان الحقيقي، لأن الدين والإيمان الذي لا يتصل بالواقع ولا يعالج مقتضيات العيش المشترك، والدين الذي لا يؤثر في سلوك الإنسان وتصرفه ولا يؤثر في سلوكهم الجمعي المشترك عبارة عن دين وثني جامد لا قيمة له ولا حقيقة.
الإنسان المؤمن يتعبد إلى الله بحسن تعامله مع الآخر، ويتعبد لله بحسن تصرفه وسلوكه، ويتعبد لله بامتلاكه القدرة على حل مشاكل مجتمعه، ويتعبد لله بحسن حراسته للمال العام، وحسن تقديم الخدمة للوطن وللأمة، وأما الذين لا يخدمون أمتهم ولا يؤثرون في مجتمعهم فهم أبعد الناس عن حقيقة الإيمان والدين.
ربما سوف يقال أن هناك مجتمعات استطاعت أن تقدم الخدمة العامة للأمة وللوطن والمجتمعات مع أنهم ليسوا متدينين، فهذا قول صحيح، ولكن هذا الفعل مما يدعو إليه الدين الصحيح والإيمان السليم، ولا يجوز بحال من الأحوال عندما يخطىء بعض المتدينين وبعض من يحمل مظاهر الإيمان، أن يتم انعكاس ذلك على الدين والإيمان، وإنما يحتم علينا أن نهب لعلاج الأفهام الخاطئة والاستخدامات المغلوطة لبعض مضامين الإسلام، ويحتم علينا أن نجعل من الدين عاملاً من عوامل النهوض الحضاري للأمة، وأداة من أدوات تصحيح أوضاعها المعوجة، ولا يجوز أن نذهب بعيداً باتجاه الدعوة لفصل الدين عن الحياة بكل أبعادها ومجالاتها.
ومما يجب التأكيد عليه أن مرحلة التأخر والتخلف التي تمر بها الأمة وتمر بها مجتمعاتنا، تصيب كل مكونات الأمة وشرائحها، ولا تقتصر سمات التخلف والتطرف على شريحة محددة، ومن الظلم أن يتم توجيه الأنظار إلى أخطاء بعض المتدينين وإغفال النظر إلى الخطيئة التي يرتكبها غيرهم، مما يقتضي منا أن نبتعد عن التطرف في محاربة التطرف نفسه، وعدم ممارسة الخطأ في معالجة الخطأ.