د. رحيل محمد غرايبه
عندما تذهب الحكومة إلى رغيف الخبز فهذا يعني تسلل اليد إلى صندوق طوارئ العائلة لعلها تجد شيئاً في قعره المظلم عن بقايا منسية، في سياق الامل اليائس لتحقق شيئاً من رفع قيمة الاستحقاق المطلوب لدفع الأقساط والفوائد المستحقة بعد إعلان الفشل الذريع في رفع قيم الانتاج الذاتي، وزيادة الدخل القومي الذي يفترض رفع قيمة العوائد من الضرائب المفروضة على كل شئ. يتم تبرير الدعم السابق بأنه يذهب إلى الفقراء والأغنياء على حدٍ سواء، كما أن جزءاً منه يذهب للوافدين، مما يقتضي توجيه الدعم للمستحقين فقط، ويبدو أن المسألة تحوي شيئاً من الوهم، لأن الأغنياء لا يأكلون الخبز المدعوم أصلاً، فهم لا يستهلكون إلا القليل، والقليل الذي يستهلكونه يكون في الغالب من النوعية غير المدعومة، والشئ الآخر أن الوافدين ومعظمهم من العمالة المصرية، فهؤلاء الذين يقومون بكل الأعمال الشاقة نيابة عن الأردنيين، فهم يستحقون الدعم فعلاً، لأنهم يرضون برواتب ضئيلة لا يرضى بها الأردنيون، وعند إزالة الدعم عن الخبز فهذا يستوجب رفع أجورهم من جيوب المواطنين، مما يعني أن الذهاب إلى هذه الخطوة يمثل حيلة المفلس. إن الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به الأردن يحتم على الحكومة وعلى كل أصحاب المسؤولية أن يفكروا بطريقة مختلفة، لأن الإصرار الدائم على تكرار الوصفات السابقة منذ عشرات السنين، والآليات نفسها والمنهجية الاقتصادية نفسها التي لم تحقق أي تقدم بل إن النتيجة الواضحة للعيان زيادة الديون وهروب الاستثمار وزيادة حجم الضرائب وزيادة الأقساط والفوائد المستحقة، وهذا ما حصل منذ سنوات طويلة عندما تم رفع الدعم عن السكر والأرز واتباع سياسة الكوبونات، ورفع الدعم عن المحروقات، ولم يشعر الأردنيون بزوال السقم ولا بقدوم العافية. إصلاح الوضع الاقتصادي يحتاج إلى الاجابة على جملة من الأسئلة الكبيرة تتعلق بزيادة نسبة الدخل الوطني من الانتاج الزراعي، وهنا يتوجب الاعتراف بأن القطاع الزراعي يحتاج خطة وبرنامج حكومي من أجل وقف التدهور، وسؤال كبير يتعلق بتدهور القطاع السياحي الذي يزداد سوءاً ولا يحقق أي تقدم، وسؤال كبير آخر يتعلق بالإجابة على موضوع هروب المستثمر الأردني إلى السوق المصري الذي يزيد حجم استثماره عن المليار دينار أردني، وإلى السوق التركي الذي يعادل القيمة نفسها، وسؤال آخر يتعلق بذهاب المستثمر إلى دبي، وهو سؤال محيّر فعلاً، لماذا لم نستطع في الاردن ان نخترع جبل علي في الأردن، ولماذا لا يتم اتباع الخطوات التي يتبعها المصريون والأتراك في جذب رؤوس الأموال. والسؤال الأخير في هذا السياق انه في هذا العام تم رفع الدعم عن الخبز، وماذا سوف نعمل في العام القادم، لأن الديون لن تنخفض وقيمة الأقساط والفوائد سوف تزداد، وشرائح الفقر سوف تزداد ، واعداد العاطلين عن العمل سوف تزداد كذلك ، فالمسألة أصعب بكثير من فذلكة الكتّاب المختصين بتبرير خطوات الحكومة من أجل تمريرها على المواطن المقهور في كل مرة.