حيدر محمود
كَلَّف وزير إعلامٍ سابق (أَو كما يقال: أَسبق)، شركة استشارية أجنبية، تُسْتشارُ في كلّ شيء، وفي كل مكان!، بإعادة هيكلة "الوزارة" التي "غلَّبت" كلَّ الحكومات، كما يبدو، واعتبرتْها حمولةً زائدة، وبعد أن اكتملت المخططاتُ، والخرائطُ، وبقيّةَ لوازمِ الهيكلة العجيبة، ذهب الوزير إلى الدّيوان الملكي العامر، يعرض ما لديه على جلالة الملك الحسين (طيّب الله ثراه).. فبادر جلالته بسؤاله: ما هذا؟! فردّ الوزير: إنَها الهيكلة الجديدة لوزارة الاعلام.. فأجاب الحسين بغضب: "ضُب الورق"، وقل للحكومة أن تُعيد الإعلام كُلّه، إلى ما كان عليه في "الستّينيات"!! فلملم الرّجل أوراقه، وعاد من حيث أَتى!!
كُنّا نُسمّي إعلامنا في تلك الفَتْرة، أو بالأَحرى كان الإعلاميون الرّسميون في الوطن العربي يُسمّونه "الإعلام المُرْعِب".. وكانوا بالفعل يخشونَ سطوتَه، ويحسبون له ألف حساب.. لتبدّل الحال بعد فترةِ، لم تكن طويلةً – على أيّ حال – ويصبح اسمُه "الإعلام المرعوب"! كما أطلق عليه دولة عبدالرؤوف الروابدة، خلال رئاسته للحكومة.. وهو شخصّياً يعرف الحكاية التي رويتُها لكم في السُّطور الأولى من المقالة.. وكان أيضاً وما يزال يعرفُ أنّ "الإعلام" هو السّلاحُ الأقوى الذي لا تستغني عنه حتّى الُّدولُ التي تملك "القنابل النووية".. وحين يُصبح "مرعوباً" تُصبح حتى تلك القنابل النووية، أو أيّ سلاحٍ آخر، لا قيمة له، ولا وزنَ لأصحابه ولا طعم، ولا رائحة!
ويجيءُ الوقتُ الذي ينبغي أن نقولها فيه الآن بملء الفم: رُدّوا لنا إعلامَنا، الذي كان عندما "يَهْمُر" ولا اجد للكلمة بديلاً آخر – تلزم الدنيا كُلُّها حَّدها.. وتُصغي لما نقولهُ باهتمامٍ، واحترامٍ، وتُؤدّي لَصْوتنِا الهادر السَّلام!!
ولأنّي لا أُحبُ الإطالة، سأذهب فوراً إلى اسم "صلاح أبو زيد"، الذي عملنا معه في تلك الفترة الذّهبيّة.. وتخّرج على يديه المئاتُ من الذين أَسّسوا إعلام الكثير من الدّول الشقيقة، وما زالوا يؤسّسون المزيد، من ذلك "الإعلام المرْعِب".. لا المّرْعوب الذي يندرجُ كُلُّه تحت بيت واحدٍ من شِعْر الكبير "أبي الطيّب" (أو لعلَّه لغيرِه.. نِسيت بالفعل):
إذا كنتُ مأكولاً فكن خيَر آكِل
وإلاّ فأدْرِكْني ولمّا أُمَزقِ!!
ويُحزنني أخيراً – وليس آخراً – أن أقول: إنّ "صلاح أبو زيد"، لم يُشْمَلْ "بالعفو العام" الأخير، ولا الذي قبلَه، ولا الذي قبلهما أيضاً!!.