ناديا هاشم / العالول
كثيرا ما نسمعهم يرددون هذا المثل دون ان ندرك المناسبة التي قيل فيها ..
يحكى انه في قديم الزمن كان هناك رجلٌ متزوج من امرأتين، إحداهما تُسمى “حانا”، وهي في ريعان شبابها .بخلاف “مانا” التي كانت امرأة كبيرة بالسن. فكان هذا الرجل كلما ذهب عند “حانا” تقوم بالامساك بلحيته لانتزاع شعرة بيضاء منها، ثم قالت: (يصعب علي أن أرى الشعر الأبيض يلعب بهذه اللحية الجميلة وأنت مازلت شابا).
وعندما يذهب ل “مانا”، سرعان ما تمسك هي الأخرى بلحيته وتنتزع شعرةً سوداء وقالت: (يكدرني أن أرى شعرًا أسودًا بلحيتك وأنت رجل كبير السن جليل القدر).
فبقي على هذا الحال مدةً من الزمن حتى نظر إلى شكله يوًما في المرآة وأفزعه أنه فقد شعرًا كثيرًا من لحيته وظهرت ناقصة.. فأمسك لحيته بغضب وقال المقولة الشهيرة: “بين حانا ومانا ضاعت لِحانا”!
وهذا المثل ينطبق على كل من يضع نفسه بين موقفين متناقضين دون ان يبتّ بهما .. فيظل "يتلقلق "بين هذا وذاك .. لينعكس هذا التردد عليه سلبا بالمقام الأول . سواء بالقضايا الفردية او الجمعية ..مما يعرقل اية مسيرة مهما كان نوعها على مستوى الفرد او الاسرة او الجماعة او حتى الشعوب ..
وانا في هذا المقام لن اخوض لا بالقضايا العالمية او المحلية لا القريبة ولا البعيدة فقد بلغ السيل الزبى ..
باعتقادنا المتواضع ان إصلاح ذات البين يتطلب اعادة النصاب الى كفتي الميزان لتحقيق العدالة المأمولة من خلال معرفة السبب اولا وتحليله ثم وضع الحلول المناسبة وتنفيذها على ارض الواقع عبر قوانين وانظمة يتم إعتمادها جمعيا تراعي المصلحة العامة دون تجاوز القانون اي قانون بما فيها القوانين العالمية والانسانية .. عندها فقط سينصلح الحال وإلا سيصبح من المحال ..
فلا قرارات أممية تفيد ولا اتفاقيات عالمية تشفي ولا معاهدات دولية تسند ..
والشيء نفسه ينطبق على الصعيد الإقليمي والمحلي والفردي ..
فالاصلاح المأمول لينصلح الحال قبل ان يصبح من المحال .. فهكذا اصلاح يبدأ وينتهي بإصلاح الفرد اولا وبالنهاية سيؤدي لاصلاح جمعي عبر تراكمات تحقق القفزة النوعية نحو الأفضل .. فينصلح حال المجتمعات ..
لان الفرد نفسه المنطلق من رحم الاسرة تراه بالبيت وبالشارع وبالمدرسة والجامعة والمصنع والحقل والمؤسسة في البحر والجو وفوق الأرض وتحتها . على كل المستويات .. فالفرد هو المسؤول الأول عما يجري على الصعد كافة فان انصلح حاله انصلح حال الجميع ..
قد ينبري احدهم بمقاطعة هذا التنظير المتدفق بقوله :
"ما فائدة الكلمات ؟ لطالما طالبنا بتربية اسرية لا تخلق ازدواجية بين الخاص والعام .. تبني شخصية الطفل بالخمس سنوات الأولى .. ولطالما طالبنا بتطوير الثقافة والقوانين نحو الأفضل وتفعيلها .. ولطالما ..ولطالما !
حتى غدونا نردد الكلام نفسه كالببغاء ..اوكأسطوانة مشروخة .. "ويا ليتنا عاجبين "..
كيف ؟
فإن حذّرَتْ فئة ما الآخرين من مغبة التمادي باللامبالاة واللامسؤولية فانها تُقابَل بالرفض .. وان وقع المحظور يلومونها لكونها تلفّظت مسبقا بالمصيبة القادمة معتبرينها السبب الرئيس وراء المصيبة التي وقعوا بها لأنها "فوّلت عليها" -من الفأل – فتحذيراتها كانت بمثابة نذير شؤم ، علما بأنه لو تم الاستماع اليها لكانت بشير خير .. فالتردد باختيار القرار المناسب بأي مجال سيوقعنا بمطبات عديدة .. ولهذا ما احوجنا الى اصلاح يقودنا للتقدم عبر تحقيق العدالة الاجتماعية للجميع ..فالإصلاح وسيلة لتحقيق الهدف عبر مسيرة تبدأ بخطوة واحد لا تتوقف عند محطة معينة بل تشمل بقية المحطات الأُخرى.. نكاد نتفق على وجود إضاءات إصلاحية متناثرة هنا وهناك، ولكنها سرعان ما تخبو لشح واضح في الوقود الديمقراطي المرتكز على الثقافة والقوانين المدنية ..فالنية الإصلاحية لوحدها لا تكفي برأينا المتواضع إذ لا فائدة من المعمعات القانونية الدائرة بحواراتها وتوصياتها لتغيير القوانين مالم نخرج فعلا بحزمة من القوانين المعدَّلة المُصَلّحة المُمَكَّنَة والمُزوّدَة بروح تطورية تسعى للإبقاء على الهُوية أثناء مواكبة حركة التطور العالمي ! توليفة صعبة.." مش هيك" ؟
فالقوانين قبل ان يتم سنها لا بد من اختبار بدائلها وتفنيد نتائج هذه البدائل المعروضة ومقارنتها مع المتطلبات الإصلاحية لتحقيق المصلحة العامة و"المستدامة" بعيدا عن المصالح "الضيّقة" ..
فاعتماد الفرضيات القانونية لاختبارها قبل سنِّها وقبل تطبيقها فعليا على أرض"الواقع"هو أمْر مفروغ منه يقع ضمن دائرة المطلوب من خلال الاجتهاد والقياس والمقارنة والإجابة على تساؤلات هادفة كالتالي : ( ماذا نفعل فيما لوْ ؟)
وذلك لتفنيد البدائل وتدعيمها بالبرهان ..فإن لم نفعل ذلك سيلتصق بنا القانون او نلتصق به للأبد..لا فرق على الإطلاق..فالنتيجة غير مُرْضِيَة.. بل مَرَضِيَّة .. لانه سيتعذر سحبه بعد أن يُثْبِتَ "الواقعً" فشلَه..
وما أكثر هذه القوانين!
مذكِّرين بأن "الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم" !