د. رحيل محمد غرايبة
في كل مرة عندما يتم إعلان نتائج امتحان الثانوية العامة تبرز مجموعة كبيرة من الخواطر والملاحظات التي تمس كل المجالات المتعلقة بمستقبل البلد والأجيال، سواء على الصعيد التربوي والمعرفي، أو على صعيد التطوير والتغيير أو على صعيد الاقتصاد والمستوى المعيشي، وغير ذلك من المجالات.
في البدء لا بد من الإشارة إلى أن امتحان الثانوية لدينا يشكل أحد معالم الشأن التعليمي الاردني، مما يقتضي المحافظة على هذا الامتحان مع بذل كل الجهود الممكنة لتطويره وتحسينه وتحديثه ورفع كفاءته وقدرته على تحقيق أهدافه المرجوّة، بعد أن تم ضبطه وإزالة التشوهات والاختراقات السابقة، وهنا لا بد من الإشادة بجهود وزير التربية السابق في هذا السياق، وتقدير جهود الوزير الحالي في مسيرة المضي نحو التطوير والتحسين وضمان إطار النزاهة لمسطرة التقويم على جميع طلبة الأردن والالتزام بمعيار المساواة الصارمة.
الملاحظة الثانية التي تتعلق بهذا السياق هذا الامتحان يشكل تقويماً صادقاً لآداء القطاع التعليمي العام ومجسا لنتائج الحهود البذولة على هذا الصعيد من خلال تقويم الطلاب والمدارس على مستوى المحافظات كلها ، ومن هنا يجب النظر بالتقدير إلى أولئك الذي استطاعوا أن يحصلوا على مراتب الأوائل على مستوى المملكة، من المدارس الحكومية مثل مدرسة العيص في الطفيلة، والمدارس الريادية التابعة للوزارة ومدارس الطيبة وملكا والجبيهة الثانوية وأم حبيبة في وادي السير وقطر الندى في الرصيفة وأم كثير في عين الباشا، فعندما تستطيع بعض المدارس الحكومية منافسة المدارس الخاصة فهذا مسار يجب أن يعزز ويتم رعايته وتنميته من أجل إعادة الهيبة والاحترام للقطاع التربوي العام.
الملاحظة الثالثة تتعلق بالذكور والإناث، فعند قراءة أسماء الأوائل نلحظ أن طالباً واحداً استطاع أن يحجز مقعده بين عشر طالبات في الفرع العلمي، أما الفرع الأدبي فإن المراتب العشرة ذهبت للإناث ولم يستطع أي ذكر مزاحمة الإناث في الفرع الادبي مطلقاً، وهذا ينبغي أن يكون محلاً للدراسة والبحث والتحليل، ويشير بوضوح إلى ترهل مدارس الذكور أولاً، وانشغال المدرسين عن واجبهم الأول نحو أمور أخرى ويمكن الإشارة إلى الوضع المادي وهو الاكثر اهمية ، حيث أن راتب المدرس لا يفي بحاجاته وحاجات أسرته مما يضطره للبحث عن مصادر رزق أخرى، وهناك من يذهب للاغتراب إلى دول الخليج، وهناك من يهجر حقل التعليم تماماً، وهناك من يذهب إلى التعليم الخاص والدروس الخصوصية، ولا شك بأن ذلك يحمل بعض معالم الخطورة بكل تأكيد؛ لأن ذلك ينعكس على مصير الجيل ومصير البلد، والمستقبل التعليمي برمته، وهذا يقتضي معالجة سريعة ومعالجة استراتيجية بعيدة المدى، من أجل انقاذ مسيرة التعليم، ويجب الانتباه إلى البعد المادي والمعيشي؛ لأن الكلام عن المثاليات في ظل عدم معالجة هذا الشأن سوف يبقى ضرباً من العبث والسفسطة النظرية.
الملاحظة الرابعة تتعلق بالعناية بالمتفوقين، حيث يجب توفير منح تدريسية للطلاب الذين يحصلون على معدلات عالية وتأمين دراستهم، وينبغي أن يشكل ذلك أولوية أولى للحكومة، وهنا يمكن إنشاء صندوق عام لهذه الغاية بسمى "صندوق الاوائل والمتفوقين" يشترك فيه القطاع العام والقطاع الخاص، ويوضع له نظام عادل، وتشرف عليه هيئة نزيهة تمارس عملها وفق معايير الشفافية المعلنة من أجل عدم اضاعة الفرصة على الموهوبين والمتفوقين الذي لا يملكون القدرة المالية على اختيار التخصصات التي يرغبونها.