ناديا هاشم / العالول
كما يقولون :البرد أّساس كل علة ..
صحيح ان البرد نفسه لا يمرّض ولكنه بمثابة عامل مساعد يُضعِفُ جهاز المناعة مهلهلا من حصانته الطبيعية فاتحا المجال للفيروسات المتعددة المصادر وبخاصة امراض الرشوحات والإنفلونزا ونزلات البرد .. الخ لأنْ تغزو الجسم وتصيبه بنقاط ضعفه..
دعونا نرجع لموضوعنا "تصعير الخد".. هذا التصعير بمصدره الفعل الثلاثي صَعَرَ.. والرباعي صَعّر مع تشديد العين .. حيث ورد بسورة لقمان 17 آية : لا تصعِّر خدَك للناس ، ولا تمش بالأرض مرَحا، إن الله لا يحب كلَّ مختال فخور ..
وتقول آية 18 : واقصِدْ في مشيك ، واخفِض من صوِتك ،إن أنكرَ الأصواتِ لصوتُ الحمير ..
وصايا نافعة حكاها الله سبحانه عن لقمان الحكيم ليمتثلها الناس ويقتدوا بها لما تحمل من فوائد قصيرة وبعيدة المدى ..
فالهدف الأول والأخير لا يقتصر على النهي عن التكبّر والخيلاء فحسب بل يَطلبً منه التواضع لأن نتائج التكبر والخيلاء وخيمة تُغْرِق صاحبها بوهم أبدي يوهمه بأنه مركزهذا الكون وكل الأفلاك تدور من حوله ..
ولهذا تراه دوما يرفض الآخر قلبا وقالبا حتى القوانين لكونها تندرج تحت مظلة عنوانها "الآخر" ..وبهذا تطول سلسلة الرفض وتشتد وتقوى لتُحْكِمَ قبضتَها بالمقام الأول على رافضي الآخر مما يضعف الاحترام بين بني البشر ،فتقوى ثقافة الداعس والمدعوس والذابح والمذبوح وتنتشر الفوضى المجلَّلَة بخطاب كراهية تضخه وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الموجَّهة قصدا او سهوا .. كراهية تنشر بذور الفرقة بيننا وتخلق المشاكل ..
وما أسرع لان يستقبل مصعّرو الخدود رياح الفرقة والتفرقة التي وجدت بُنيتَها التحتية بمُمَيّلي الخدود وقالبي الشّفاه ،علما بأنّه كلّما تطوّر الفرد ازدادت نسبة التواضع بشخصيته و كما يقولون : سنبلة القمح الفارغة ترفع رأسها بالحقل، بينما الممتلئة تخفضه، فلا يتواضع إلا كبير العقل ... ولا يتكبّر إلا صغيره.
فلقمان الحكيم الذي عاش بالنوبة تنبّه منذ آلاف السنين الى مخاطر التكبّر ، وقد أدرك نبي الله داود فأخذ منه العلم وآتاه الله الحكمة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم -: (لم يكن لقمان نبياً، ولكن كان عبداً كثير التفكير، وحسن اليقين، أحب الله فأحبه، فمنَّ عليه بالحكمة، وخيّره في ان يجعله خليفة يحكم بالحق) أدرك لقمان مخاطرالوقوع بفخ الغرور والتكبّر لكونها بليّة مرتبطة بصاحبها من جهة عاكسة ثمارها السلبية على كل من حوْله من جهة اخرى ..
فياليتنا نميّز بين ايجابيات الثقة بالنفس وبين سلبيات الغرورالخطيرة لمساهمة الأخيرة في خلق خطاب الكراهية ..هذا الخطاب الذي يساهم باختلاق الأزمات ،علما بان كل متأزّم مع نفسه يكون متأزّما مع الآخر.. للأسف ثمة بوادرعنوانها الكراهية حاول بعض المستنيرين التصدّي لها ببداياتها منذ عقد ونيّف ، بذورها تربوية سلوكية مجتمعية ، تكاثرت نتيجة اقتداء البعض بالنموذج الخطأ ، لاعتقاد فارغي العقول بان تصعير الخدّ هو "برستيج " ينبغي تقليده والسيْر على خطاه ، برستيج لا يُبْصِر الآخر ولا يعترف به قولا ولا فعلا ولا سلوكا ..
مشكلة لم تجد لها حلا بالوقت المناسب لرفض المجتمع رأي المستنيرين فاتسعت دوائرها ، لتلقينا بغياهب جبّ كراهية -بئر- ابتلع البعض وأوشك ان يبتلع البعض الآخر..
كراهية تحرّض ضد الآخر وما يمثّله الآخر لونا وجنسا وثقافة ودينا ولغة ...الخ ولعل أخطره التحريض الديني الذي يرتبط ارتباطاً مباشراً بالصراع المذهبي القائم حالياً بالمنطقة العربية والإسلامية، فاقمتْه وسائل الاعلام التقليدية والثورة الرقمية التي جعلت من التواصل الاجتماعي واجهة إعلامية وأداة لإدارة الصراعات، يستخدمها البعض كدرع يتمترسون خلفه متراشقين بما يجوز ولا يجوز ، وإن كانت كفّة السّلبي اكبربكثير من الإيجابي.. فيترك هذا التراشق الكريه اثارا سلبية مفعمة بالكراهية شكلا ومضمونا في كل مكان وعلى البشر انفسهم، فاتكا ببنية المجتمع ليغدوا مجتمعا يرتكز على الكراهية بعد ان فتكت كراهيته بجوهر كل جميل ومسالم ضاربين بالقيم الإسلامية والإنسانية بعرض الحائط وكيف لا والكراهية كالأسِيد تحرق الكاره قبل المكروه..
نعم فبقدر مايحتوي الحُبّ قيما للخير كذلك الكراهية تتضمن قيما للشرّ ، والحرب قائمة بينهما من قديم الزمان ..
والحل؟
ان نعرف كيف نتحرر من القوة الجاذبة للكراهية فيكفي انها تنكّد علينا عيشتنا وتفقدنا من قيمة الإحساس بروعة الحياة.. فالكراهية مرَض يسكن الجسد والروح ويمتص كل ضوء مشرق حولنا ليجعل لحظاتنا المعتمة تكاد ان تكون سلوكا نمارسه تكتنفه ظلمة لا نور فيها ولا أمل ..
وللأسف ينشرها البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي لينبثق عنها خطاب العنف التحريضي الذي يشكل خطراً على السلم الأهلي وعلى التعايش بين مكونات المجتمع..
سلسلة طويلة بدأت بتصعير الخدّ وتسلسلت لتصل لأتّون كراهية يحرق الأخضر واليابس ..
تُرى تصعير الخدّ إلى أين ؟
سؤال يجدر التوقف عنده لنعالج أبعاده قبل فوات الأوان ام تُراه ُ فات؟