أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات الفنّ والذوق والرسالة

الفنّ والذوق والرسالة

05-07-2017 04:23 PM

د. رحيل محمد غرايبة

من المعروف بداهة أن « الفن « مرتبط برسالة المجتمع والدولة ارتباطاً وثيقاً، وعلاقته بهوية المجتمع ومنظومته القيمية علاقة صميمة؛ إذ إن الفن يمثل الأسلوب الأكثر رقياً والطريقة الأكثر تحبباً للجمهور في إيصال الرسالة النبيلة والمعاني الجميلة والمضامين المتحضرة التي توافقت عليها العقول المسؤولة في المجتمع، والفنانون هم الرسل الحقيقيون للفكرة لأنهم يملكون القدرة على توصليها بسهولة ويسر، ورقة وجمال وحسن اختيار للوقت والظرف المناسب الذي يكون فيه المتلقون في حالة شغف وانتباه، بحيث تنساب الأفكار في نقوسهم انسياباً مريحاً دون عناء، ويتفاعلون معها تفاعلاً إيجابياً مؤثراً وواسعاً وشاملاً. الدول المتقدمة تجعل هذه المسألة محل اهتمام كبير وعناية فائقة لدى قمة الهرم السياسي، وتخصص لها موازنة كافية ومحترمة، بحيث تكون المؤسسات الثقافية والفنية عاملاً مهماً من عوامل صقل الذوق العام وطريقاً مهماً من طرق التربية الجماعية للعائلات والأسر وهم في منازلهم، ولتجمعات الشباب والصغار والكبار بما يراعي اهتماماتهم وأذواقهم، ويكون ذلك كله ضمن إطار قيمي نبيل، ومشروع رسالي متحضر، له أهدافه وغاياته وادواته وأساليبه المدروسة بعناية، ولذلك لا بد من إيجاد الشخصيات الموهوية المدرّبة القادرة على تقمّص الأدوار بمهنية وحرفية عالية، وقدرة على تحقيق الهدف المرسوم بنجاح. الفن له دور كبير ومقدر في ارساء القيم الصحيحة وترسيخ المعاني السليمة، التي تسهم في استقرار المجتمع وتنميته وتقدمه، وتحقيق التالف والفهم المشترك بين اعضائه، ومعالجة الظواهر الاجتماعية غير المرغوب فيها، تلك التي تخدش الحياء او تنشر الرذائل او تسيء الى الحس الجمعي، ويجدر بالقائمين على الرسالة الفنية رصد الأمراض التي تتسلل الى المجتمع، ومراقبة العبث والإستهتار وحالات الشذوذ والانحراف عن قيم المجتمع، وكل ما يؤدي الى إلحاق الضرر بالنسيج المجتمعي أو كل ما يؤدي الى إثارة النزاعات بين مكونات الأمة، ورصد خطاب الكراهية ودعوات التعصب المذموم بكل أنواعه وأشكاله، من أجل الإسهام في المعالجة الهادئة ومواجهة الضرر الداهم بكفاءة،عن طريق التوجيه المؤثر الذي يلامس الوجدان والعقل والروح الوطنية، والاستعانة على ذلك بالمفهوم الصحيح للدين، والاستعانة بأقوال العلماء وجهود المفكرين وعبارات العقلاء وأهل الرأي والخبرة والاختصاص في كل المجالات ذات العلاقة التي تسهم في بناء الشخصية السوية القادرة على البناء وتحقيق الإنجاز. عندما يتم مشاهدة الاحتفالات العامة التي تقيمها الدول في المناسبات الوطنية أو عند استضافتها للأحداث العالمية مثل كأس العالم أو الألعاب الأولومبية، فإن الدولة المستضيفة تحرص على جمع كل ما لديها من طاقات فنية وثقافية وتاريخية وعلمية متخصصة من أجل العمل على إتقان افتتاحية الاحتفال بصورة راقية وجميلة وزاهية ومعبّرة، تحمل ثقافتها وتبرز رسالتها وهويتها التي تفخر بها أمام العالم، وتلقي الضوء على مرحلة مهمة من تاريخها وإسهامها الحضاري الذي يبعث على الفخر والاعتزاز لدى مواطنيها، ويثير الدهشة الممزوجة بالاحترام والتقدير لدى المشاهدين من كل شعوب العالم. نحن لدينا الرسالة مقلوبة، والمعاني غائبة فيما نقدمه من فن وما نقيمه من حفلات وما نستورده من فرق ونجوم على الاعم الاغلب، وتجد أحياناً من يقوم على رسالة الفن والسياحة لا يمتلك هذه المعاني، ولا يدرك أهميتها، بل نلحظ فجاجة وسطحية في العرض، إن لم يكن هناك اعتداء احيانا على قيم الأمة، واستخفاف بهويتها الثقافية والحضارية، وإنسلاخ عن منظومتها القيمية، ونلحظ أحياناً إمعاناً في استيراد القيم الغريبة والمستهجنة التي تثير الاشمئزاز والاستفزاز لدى الأغلبية الساحقة، ويصبح الفن بيد هؤلاء سلاحاً مدمراً للوحدة الوطنية ويفتك بالنسيج الاجتماعي، مما يشكل إنحرافاً بالفن عن رسالته المعتبرة في صيانة الذوق العام، وابتعادا عن احترام حريتها وإرادتها الجمعية. ما ينبغي أن نعلمه ونعرفه معرفة اليقين أن الغزو الفكري والاختراق الثقافي أشد خطراً وأعظم أثراً من الغزو العسكري والاختراق السياسي على المجتمعات البشرية، التي يكمن سر بقائها في حفظ هويتها الثقافية وسجلها الحضاري ومنظومتها القيمية.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :