ناديا هاشم العالول
ما سأكتبه الآن ليس تملقا لأمانة عمان..أبدا.. وإنما لذكر الإيجابيات والإنجازات عبر كلمة حق تقال لتكون محفّزة للفئة الممدوحة من جهة وللآخرين من جهة أخرى بدلا من التركيز دوما على الثغرات والسلبيات، تاركين ولو مؤقتا النقد الهدّام المتداوَل بكثرة بصداه الذي لا يسمن ولا يغني من جوع والذي تراه يتعاظم يوما بعد يوم ناخرا كالسوس في بنية العطاء والإنجاز.. فالحقيقة التي سطعت أمامي مؤخرا والواضحة كوضوح الشمس تتمثل بحالة الحدائق العامة وبخاصة الصغيرة منها.. كيف كانت وكيف صارت.. لقد تم فعلا نقل حالة الحدائق والأماكن العامة نقلة نوعية وبخاصة بالفترة الأخيرة الى الأفضل بكثير مما يؤكد ان النظافة هي عنوان الأمانة سواء بمعناها اللغوي والبلاغي والإنساني من نظافة القول والفعل والسلوك التي تخرج بمحصلة لا مثيل لها من النزاهة.. أو بربط النظافة بأمانة – بلدية عمان–لما شاهدناه من متابعتها الحثيثة للحدائق والمرافق العامة.. ولهذا فالكرة بملعب المواطن كيف ؟ للبرهنة على ذلك أعود لأرشيف مشاهداتي منتقية مشهدا يعود تاريخه الى خمسة شهور مضت اثناء ذهابي مبكرّة للتسوّق بعمان القديمة قبل ان تفتح المحال فارتأيت التريّض مشيا ريثما يبدأ دوامها مسترجعة عبق عمان القديم المضمَّخ بياسمينها وعفوية ابتسامتها الأصيلة والتي طالما طفت فوق الوجوه المستبشرة بالقناعة وبالخير معا..فالقناعة هي سر ومفتاح وكنز السعادة العالقة بقاياها التي تبثُّ بين أرجائها طمأنينة من نوع آخر.. طمأنينة تعيد الصفاء للنفس الذي تلاعبت به الأيام او بالأحرى الإنسان القادر على تعكير كل عناصر الزمان والمكان لتنعكس بالنهاية عليه منفردا ومجتمعا، ناقلا عجاج تعكيراته لوثة وتلوثا تحملهما سحابة معكّرَة ترزح فوق إقليمنا العربي تستطيع مشاهدة عجاجها عبر نافذة أية طائرة تقترب من الأقاليم العربية..نعم أقاليم.. فكل بلد انقسم الى أقاليم.. والحبل على الجرار نتيجة مشاحنات الفكر والقول والفعل، مشاحنات تفتقر لأدنى درجات الموضوعية والعلمية والتعددية والحوار مسمِّمَة بسلبياتها بعض النفوس الغارقة دوما بنرجسية ترفض الآخر..ناقلة عدوى الكراهية.. فالمحبة تُعدي وكذلك الكراهية.. اطرف ما قرأت مؤخرا بأن المحبة كالفيروس وأنه لا يجوز انتظار فيروس المحبة لينقل عدواه إلينا، فلنصبحْ الفيروس نفسه المتنقل والناقل لعدوى المحبة ! نعم صدق القائل.. فما أحوجنا لان نكون فيروسات ناقلة للمحبة والقناعة والسعادة بظل هذه العدوانية المتفشَية.. كما يقولون الحديث ذو شجون.. فلنرجع لموضوعنا الأصلي.. أثناء ترّيضي وسط عمان ووسط نوستالجيا الحنين المتزايد لكل ما هو نظيف وبريء ونزيه..لمحت حديقة صغيرة عامة تتوسط المنطقة تفي بالمطلوب من منظر وخضرة وأكسجين لتكون الرئة التي تتنفس بها المنطقة بقاطنيها ومتسوقيها وزوارها وتجّارها..ولكنني ُصعِقْت لحالتها المزرية من أوراق وقمامة وزجاجات فارغة تسمّم الأشجار والنباتات والبني آدمين.. قطع حبل افكاري رؤيتي للمحلات التي بدأت تفتح أبوابها فسارعت متوجهة لهدفي..وما ان انتهيت من التسوّق حتى سألت صاحب المحل عن السبب وراء الإهمال الذي يكتنف الحديقة.. قال بدون اكتراث: كان هنالك حارس.. وترك.. قلت: ولكن المهمة لا تقع على الحارس وحده فالمواطنون أنفسهم هم حراس على النظافة وعلى الممتلكات العامة.. هز كتفيه بلا مبالاة.. فتابعت :حرام ان تضيعوا عليكم فرصة الاستمتاع بمنظر حديقة نظيفة جميلة.. بوسعكم التفسح بها بين فترات العمل.. كما ان أطفال المنطقة سينعمون بها تساءل باهتمام هذه المرة- وماذا بوسعنا ان نفعل ! - لا تنتظروا عودة الحارس فقد لا يعود ابدا تناوبوا انتم كأصحاب محال على تنظيفها.. بالمناسبة نحن كفريق تمكين للمرأة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا سعيت للبدء بنشاط بيئي كتنظيف حديقة عامة لتنمية الحس بالمسؤولية العامة عند الناشئة.. فتذكرت الحديقة ذاتها فعُدْت لأتفقدها قبل البدء بالتدريب لأتفاجأ بأن الحديقة بغاية النظافة، فعكفت باحثة عن حديقة بديلة فوجدتها نظيفة هي الأخرى مما أثلج الصدر وأحيا الأمل.. ولحسن الحظ..او لسوئه.. وجدت قطعة أرض خارج الحديقة العامة تتراكم فوقها القمامة وبقايا مخلّفات البناء.. فاخترتها موجَّهة إليها الطلاب الذين قاموا بتظيفها بشغف قلوبهم ونشاط سواعدهم ختمناها بعدها بجلسة حوارية بالحديقة العامة الجميلة والنظيفة، دارت حول نبذ الإزدواجية اثناء التعامل مع كل ما هو عام وما هو خاص وبخاصة بموضوع البيئة..فالرعاية واحدة لكليهما.. والشيء بالشيء يُذكر فقد روت لي صديقة المناسبات كيف أنها اصطحبت زوارا للقيام بنزهات متعددة بعمان مستبشرة خيرا بالقفزة النوعية نتيجة النظافة الواضحة للأمكنة العامة مثنية على الجهود المبذولة لأمانة عمان.. صحيح ان أمانة عمان تبذل جهدها عبر اهتمام واضح واجتهاد مكثّف ولكن هذا لا يكفي، فالكرة الآن بملعب المواطن المطالَب بدوره بالمحافظة عليها تماما كممتلكاته الخاصة.. فيَد واحدة لا تصفّق!