ناديا هاشم / العالول
كلنا درسنا بان المادة لها حالات ثلاث الصلبة والسائلة والغازية باشكالها: العنصر والمركّب والمخلوط .. حيث تتغير المركّبات وتتبدل وفق العوامل الخارجية التي تتعرض لها من حرارة وضغط الى الحد الذي تتغير فيه صفاتها تماما ..فبين تباين اشكالها من عنصر ومركب ومخلوط تتعدد حالاتها .. كما ان اتحاد العناصر المختلفة يؤدي بالنهاية الى مادة مختلفة كل الإختلاف عن العناصر الأصلية وخيرمثال يتبادر الى الى الذهن والواقع الماء هذا المركّب الكيميائي المكوَّن من الهيدروجين والأكسجين بنسب متفاوتة ..
وهو يمر بحالات ثلاث الصلبة والمائعة والغازية حيث تتغير وتتبدل وفق درجات الحرارة التي يتعرض لها بين ارتفاع وانخفاض علاوة على الدور الذي يلعبه الضغط الجوي ..
أحب طمأنة القراء بانني لن انغمس اكثر بمادة العلوم وإنما الهدف من الخوض بها في هذه العجالة هو للتقريب ليس اكثر !
فما يجري في بلاد الربيع العربي ما هو الا نتيجة تراكمات محلية ذات جذور اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية وتربوية .. الخ ادّت بمجملها الى تهيئة البنية التحتية لكي تحط علينا من الخارج القريب والخارج البعيد اطماع شتى ركبت موجة الربيع العربي محولة اياه الى خراب عربي بامتياز فمعطياته لم تهبط علينا من فراغ بين عشية وضحاها بل عبر تخطيط خفي بمجالس مغلقة طالما درست المؤشرات التي قرأتْها بين السطور لتخطط وفقها ونحن عن كل هذا لاهون..
مخططات بدأت تظهرمخرجاتها بموجات اللجوء وتغيير الحدود بداية بنموذج اللجوء الفلسطيني الذي تم تعميمه بقدرة قادر على البلاد العربية المجاورة فغدت الغالبية العربية لاجئة تركب عباب البحر وكثبان البر لتستقر على سواحل الشرق والغرب..
مخططات ذكية اول ما بدأت بتمييع الثابت .. كتمييع ديمغرافية العالم العربي عبر حركات لجوء لم تخطر على بال لتقرع بوابات اوروبا لتغيير تركيبتها الديموغرافية هي الأخرى مما يؤثر لاحقا على هويتها وصفاتها –اوروبا-!
نحن لسنا ضد التعددية واحترام الآخر بل معها .. ولكننا نتوق بالوقت نفسه مثلا للتجول بإيطاليا الأصلية بصبغتها "السباجيتية" وعبق الإسبرسو الفواح يتناثر بين نوافيرها بينما تصدح رومانسية لغتها بأرجائها .. ولا مانع من وجود الأعراق الأخرى التي تندمج بها بشرط ان تبقى ايطاليا أصلية مائة بالمائة بهويتها السمحة المرحبة بالآخر دون ان تتعرض ثقافتها للتميع والذوبان ..
وكذلك ألمانيا التي فتحت ابوابها للاجئين زرافات ووحدانا .. ولكننا نريد ان تسود اللغة الألمانية بين ارجائها وتتصدر الكارتوفن –البطاطا- والفرانكفورترز لائحة طعامها بغض النظر عن لغات اللاجئين وعاداتهم القادمة لها..
نعم الإنصهار ضروري ولكن الأصالة مطلوبة بحيث لا نصبح كلنا نسخة واحدةعن بعضنا البعض بدون لون او طعم او رائحة !
قد يعتقد البعض بأن طرحنا ينبع من رومانسية بحتة.... ابدا بل جاء للرد غلى بعض الأصوات المنادية بدولة نقية مائة بالمائة والمدعومة بآراء متطرفة تحبّذ ذلك تتوجه لتثبيت كل مائع عندهم ..وتمييع كل ثابت عند غيرهم ..
وإلا ماذا يقصد المحافظون مثل دونالد ترامب وجماعته بدعوتهم للحفاظ على نقاء الولايات المتحدة وطرد المتأمركين منها علما بان الولايات المتحدة قامت على فسيفساء أعراق المهاجرين منذ قديم الزمان !
ناهيك عن مناداة اسرائيل بطرد الفلسطينيين خارج حدودها لتبيت دولتها العرقية القائمة على مهاجرين يهود من كل انحاء العالم ؟
فالواضح للعيان انهم يصرون على هويتهم ليصبحوا وحدة واحدة قوية بتوجه يميّعون فيه الثابت ويثبّتون المائع !
فهذه المطالبات العكسية بتمييع ثبات الأمم القديمة العربية والأوروبية لإنتاج منتج هجين فلا هو بالمتميّع ولا هو بالثابت جامعا بين الصفتين لتغلب عليها صفة الرخاوة وهي المطلوبة ..
أما لماذا الرخاوة ليسهل تشكيلها وفق المطلوب كما انها تتميز بعدم قدرتها على مواجهة اي غزو ثقافي اجتماعي سياسي اقتصادي .. الخ
فالرخاوة تعني حالة من الضعف الأبدي وهي مطلب المخططين لتطبيقها على الآخرين بحيث تتداخل العناصر كلها لتنصهر مع بعضها متوحدة بالحدود متفرقة بالهدف في حين تتحكم بها بسهولة هوية صافية موحَدَة ثابتة صلبة فتحكم العالم الرخو بأسره..
ترى ماذا اعددنا لمواجهة هكذا مخطط والذي دعمناه بصورة غير مباشرة بتوجهاتنا التي تجتهد بخلع "البني آدم" من تكوينته الطبيعية لتصبه بقالب صنعناه نحن وفق ابعاد ومقاييس لا تلائمه وبالتالي نقضي على مزاياه الطبيعية التي منحها له الله مثبّتين مكانها مزايا لا علاقة لها به مهيئين بذلك البنية التحتية للمخططات الخارجية لتضرب ضربتها بعد ان جرّدناه من اصالته ،فيصبح هجينا لا علاقة له بجذور الأصالة ولا بثمار الحداثة مما يجعله اميبيا رخوا يسهل تشكيله وفق ابعاد ومقاييس يرتاونها للوصول الى خصائص معينة .. خاصية الرخاوة..
فما احوجنا بهذا الوقت بالذات الى اختيار الأفضل من القديم –الأصالة – والأفضل من الحداثة – المعاصرة – وخلطهما معا لنخرج بالتوليفة الأمثل الصالحة لكل زمان ومكان .. وكفانا تخبطا افسح المجال لمخططات تهدد وجودنا !