ناديا هاشم / العالول
كلنا بحاجة الى نموذج يُحتذى به سواء نموذج من الماضي او الحاضر .. او حتى المستقبل .. علما بأن البعض سيتساءل كيف يمكننا اتخاذ نماذج مستقبلية ؟ فهذا مستحيل لأن النماذج المستقبلية بمثابة القادم الذي لم نختبره او نسمع به .. إذن ..كيف يصبح ما في الغيب نموذجا يقتدي به أهل الحاضر ؟
نستطيع فلسفة هذا التطلّع معتمدين على بعض النماذج الماضية و الحاضرة والتي تصلح فعلا لأن تكون نماذج مشرقة مشرّفة يمكننا الإحتذاء بها مستقبلا لشدة تطورها الذي يسبق زمانها ومكانها فيجعلها صالحة لكل إنسان في أي زمان ومكان!
فبقدر ما البعض متحجّر برأيه وفكره ورؤيته وأسلوب حياته وتعامله وعمله ونهجه بقدر ما البعض الآخر أبَديين بمرونتهم العقلية ورؤيتهم الفكرية بغض النظر عن المقولة بأن لكل زمان دولة ورجال وأن ما يصلح للماضي لا يصلح للحاضر أو للمستقبل ..
ولكن بعد الخبرة والتجربة نستطيع التأكيد بأن هنالك نماذج خارقة تخترق حاجز الزمن بتطورها مما يجعلها نماذج عابرة للعصور عبر أفقها اللامحدود..
بالمقابل هنالك نماذج محدودة ضيقة غارقة بالمَحَلِّيَّة برقعتها الخانقة التي تصغرتدريجيا بمرور الزمن حتى تتقوقع متشرنقة حول ذاتها لاعتقادها بأنها الأصح والأصدق والأذكى والأفضل والأحسن ... الخ ..
ونحن لسنا ضد المَحليّة ..فمن لا يرتبط بعناصر محلِّيَّتِه من أصالة وجذور وتاريخ وحضارة .. فلا خير فيه لأهله ولغيره.. رافضين بدورنا الإنغلاق على الذات مغمضين عيوننا عن الأنوار الأخرى الموسّعة للرؤية والمدارك ..
فهل كان بوسع الحضارة العربية والإسلامية الإرتقاء لتمتد شرقا وغربا بدون تفاعلها مع الحضارات الأخرى ؟نشك بذلك .. فبين أخذ وعطاء وإرسال واستقبال تألقت حضارتنا ..
لا شك ان القارىء متشوق لأن يسمع عن زبيدة القديمة ونظيرتها الحديثة .. فزبيدة الماضي هي زبيدة زوجة هرون الرشيد وهي بنت جعفر المنصور ..وحفيدة مؤسس الدولة العباسية ابو جعفر المنصور .. ويقال ان اسمها الأصلي :أمة العزيز" ولكنها لُقبت زبيدة لأن جدها ابو جعفر كان يدللها ويقول لها انت زبيْدة -خلاصة الزبدة – القشطة – الدسمة شديدة البياض .. فالسيدة زبيدة كانت شاعرة ، قدّمت خدمات اجتماعية جليلة ببناء المستشفيات وتمهيد طريق الحجاج ، وأعظم ماقامت به تيسير الماء الى أهل مكة وعرفة ومنى من مسافة إثنى عشر ميلاً ، وعملها العظيم (عين عرفة) لازال موضع إعجاب العرب والمسلمين كافة.. والبعض يُطلق عليها عين زبيدة ..
والشيء بالشيء يُذكَر فقد اقدمت مؤخرا فتاة سعودية – بهيسة العربي-على التبرع بكامل قيمة تكاليف زواجها الى فقراء قرية أفريقية في (جيبوتي) لتوفير شبكة مياه الشرب لهم .. والفائض بنَتْ فيه بيوتا للقرية الأفريقية..
جزاها الله خيرا .. وهذه سابقة من نوعها بعصر انتشرت فيه ظاهرة البذخ في حفلات الأعراس بخاصة بمجتمعاتنا العربية التي سرعان ما يُتَوَّج الفرح الضخم بطلاق سريع !
فالاعتماد على المظاهر وتكبّد التكاليف الباهظة أصبح مقياسا لقيمة العروس لدرجة ان الفتيات يتنافسن للحصول على أجمل عرس وأكثره تكلفة ..دون ان تتنافس إحداهن ببذل جهدها لإنجاح الزواج قولا وفعلا وشكلا ومضمونا!
ولهذا سرعان ما تنهار الأسس الواهية التي بُني عليها فما يُبنى على باطل فهو باطل .. ولهذا كثًر البطلان هذه الأيام بعد شهر العسل رأسا او حتى خلاله ..
نعم اعادتنا العروس بهيسة الحكيمة بعقلها ورؤيتها اعادتنا فعلا لأيام ستنا زبيدة – مع انه بين بهيسة وزبيدة قرابة ثلاثة عشرة قرنا او يزيد او ينقص بقليل ..عين بهيسة بجيبوتي يا سلام ! متمنين أن يطال عمل الخير مخيمات اللجوء وقُرانا وبوادينا المحليّة والعربيّة .. فأهل مكة أدرى بشعابها ..
فكما ذكرتُ ببداية المقالة اننا لسنا مع التقوقع والمحليّة الزائدة عن اللزوم . بل لا بد من الانفتاح الأيجابي عموديا وأفقيا على الآخر ..
وربما سنسمع قريبا عن عين "انجلينا جولي" المغرمة بالطوفان حول العالم وبعمل الخير وبخاصة بأفريقيا ، وهي الآن سفيرة النوايا الحسنة وزارت مخيم الزعتري كما تبنّت أطفالا من افريقيا وفيتنام وفرنسا ومؤخرا الطفل موسى اللاجىء السوري بمخيم تركي ليصبح عدد أطفالها بالتبني أربعة وبذلك يفوق عدد أطفالها الأصليين الثلاثة.. يعني المجموع سبعة بعين العدوّ .. وموسى طفل رأته خلال عملها كسفيرة للأمم المتحدة للاجئين والنازحين، فاحتضنته بسبب سوء حالته وضعف بنيانه، وقرّرت أنجلينا جولى أن تتبنّى هذا الطفل هى وزوجها النجم براد بيت، ليكون أخًا جديدًا لأبنائها الستة !
فبغض النظر عن عين زبيدة ..او عين بهيسة ..او عين انجلينا جولي
فهن امثلة خيّرة بالماضي والحاضر والمستقبل
ويا حبذا لو نحتذي حذوهنّ مركزين على الجوهر أضافة للمظهر فالله جميل يحب الجمال، ليس الجمال المقتصر على الشكل فحسب بل المضمون أيضا .. متذكرين بأن الله يحب ان يرى اثر نعمته على عبده
مظهريا وجوهريا ..
وكلُّه خير
اللهم اجعله خيرا !