د. رحيل محمد غرايبة
لقد أصبح واضحاً ذلك التباين الذي ظهر في مواقف بعض الأقطار العربية تجاه القوى الاقليمية المجاورة للوطن العربي ، ومازال التعامل العربي مع هذه القوى لا يستند الى موقف عربي ثابت، ولا ينبثق من رؤية عربية موّحدة قائمة على تشخيص المصحلة العربية المشتركة، وفي المقابل هناك مواقف عربية متفردة ذهبت بعيدا في التعامل مع هذه القوى، ومع مرور الزمن أصحبت هذه العلاقات المنفردة تسبب شروخاً في الجسم العربي، وتؤدي الى حدوث بعض التصدعات التي تهدد الجدار العربي، وتسهم في تشتيت جهود العرب السياسية ، وتحول دون وحدة الموقف العربي، وتحول دون الاقتراب من نجاح محاولات ايجاد مشروع سياسي عربي، وهذا ما ظهر جليّاً في القمة العربية الاخيرة.
هناك بعض الأقطار العربية التي استطاعت بناء علاقات وثيقة الى درجة التحالف مع ايران، مثل سورية والعراق، كما أن عُمان أقامت علاقة صداقة وطيدة معها ، كما أن الكويت خطت بعض الخطوات الايجابية باتجاه تحسين العلاقات مع ايران، حيث دعا أمير الكويت في القمة العربية الى ضرورة التفاهم مع الجمهورية الايرانية المجاورة ، لأنها تشترك مع العرب في كثير من المصالح ، بالاضافة الى انها دولة جوار تاريخي ، وعلى مساس معنا في كثير من القضايا، ودعا العرب الى ايجاد علاقة سياسية سليمة قائمة على تبادل المصالح المشتركة، وهناك بعض الأقطار التي استطاعت نسج علاقة تفاهم جيدة مع تركيا، مثل قطر، وتونس، والمغرب كل على حده بطريقة منفردة ،و بدرجات متفاوتة من درجات التعاون والشراكة الاقتصادية والسياسية ، وفي مقابل ذلك هناك أقطار تنظر بعين الريبة الى المواقف الايرانية ، وتصرح بوضوح حول تدخل ايران السافر في شؤون بعض الأقطار العربية ، وهناك توتر ملحوظ في علاقة كل من السعودية والبحرين والامارات مع ايران ويتحالف معهم في هذا الموقف عدد من الأقطار العربية الأخرى التي تشاركها القلق من التدخلات الايرانية ، وهناك من ينظر بعين القلق ذاتها الى التدخل التركي في الشان السوري والعراقي ، ولذلك جاءت القرارات العربية الأخيرة لتؤكد على عدم تدخل كل من ايران وتركيا في شؤون بعض الأقطار العربية المجاورة.
آن الاوان لاعادة النظر في موضوع الشراكة العربية مع دول الاقليم والمقصود هنا على وجه التعيين كل من ايران وتركيا، لتصبح العلاقة معهما قائمة على حسن الجوار و التفاهم والاحترام المتبادل، وأن يعمد العرب مجتمعين الى محاولة تغيير النهج السابق القائم على السلبية والتوتر، ومحاولة نسج علاقة جديدة صحيّة وسليمة، حيث يمكن تقديم تصور عربي في هذا المجال من بعض الدول العربية المحايدة، مثل الكويت على سبيل المثال ؛ فيما يخص العلاقة مع ايران، ويمكن الطلب من تونس تقديم تصورمشابه للعلاقة العربية مع تركيا، من أجل ايجاد معالم مشروع شراكة عربية- ايرانية- تركية، فيما يخص المصالح المشتركة وقضايا الجوار ، بعيداً عن حساسيات التاريخ والمواقف المسبقة، مما يؤدي حتما الى تدعيم الموقف العربي المشترك في معركتهم السياسية تجاه قضيتهم المركزية التي تدور حول القضية الفلسطينية والاحتلال الاسرائيلي للارض العربية بشكل اساسي ، وفي الوقت نفسه يحفظ مصالح الشركاء ويقوي مواقفهم السياسية في مواجهة التفاهمات والتوافقات الدولية.
ينبغي ان نعلم أن هذا الطرح متاح وممكن، ويحتاج الى لجنة مشكلة من بعض الأقطار العربية للاشراف على صياغة هذا التصور، والشروع في عملية الاتصال الدبلوماسي مع كل من ايران وتركيا للبحث عن معالم مشروع سياسي مشترك يحفظ مصالح الأطراف مجتمعة، وهذا ليس مستحيلاً في ظل البحث الجاد عن تسوية حقيقية مع طرف اخر أشد عداوة والعلاقة معه أكثر تعقيداً والتباسا.
أعتقد أن الذهاب الى امتلاك أوراق قوة اضافية للعرب في المرحلة القادمة ضرورة سياسية من أجل تمكينهم من الحفاظ على مصالح شعوبهم، وعدم التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني، وهذا لا يتم الاّ في ضوء الاستناد الى جدار عربي اسلامي صلب قوي ومتماسك.