أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات التربية والتعليم والرؤية الوطنية

التربية والتعليم والرؤية الوطنية

27-04-2017 12:38 PM


د. رحيل محمد غرايبة

ملف التعليم يمثل شأناً وطنياً عاماً، يهم كل أسرة وكل أب وكل أم، ويهم الحكومة والمؤسسات العامة والخاصة، ويهم الدولة بكل سلطاتها، مما يستوجب أن لا تكون القضايا التربوية ومستقبل الأجيال خاضعة لتجاذبات الاتجاهات السياسية والفكرية، ولا جدل النخب وصالونات المتنفذين، وأن لا تكون خاضعة لآراء شخصية وأجندات خاصة، ما يقتضي حتماً أن لا تخضع القرارات الحاسمة التي تخص ملف التعليم من مناهج وفلسفات ومرتكزات للتغير الذي يطرأ على حامل الحقيبة الوزارية.
مسألة التعليم لها حساسية خاصة تتميز بها عن بقية المسائل والقضايا الوطنية الأخرى، والسبب في ذلك يعود إلى التشخيص العالمي لجذر المشكلة التنموية وأصلها؛ بحسب تراكم الخبرات لدى الشعوب والأمم، حيث أدركت أن المشكلة تكمن في الإنسان ذاته، بمعنى أن نجاح المجتمعات وفشلها مرتبط بالإنسان، ومدى قدرته على حمل عبء مسؤولية تطوير بلده وتحضرها وحل مشاكلها، وقد تجلى ذلك في كثير من التجارب القديمة والمعاصرة، ولذلك توصل كثير من الباحثين في الشأن الاجتماعي في أن سر نجاح التجربة اليابانية والسنغافورية على سبيل المثال وكما صرح كثير من أهل المسؤولية هو الالتفات إلى التعليم أولاً، من حيث توفير المعلم الكفوء، وتخصيص الموازنات الكافية، جنباً إلى جنب مع بقية المجالات الأخرى بطريقة مدروسة على سلم الترتيب العام.
وهذا ما حدث مع الولايات المتحدة الأمريكية في الستينيات من القرن المنصرم، عندما سبقها الاتحاد السوفياتي في بعض مجالات علوم الفضاء، بادر المسؤولون فيها إلى عقد مؤتمر وطني عام ليخلص إلى نتيجة متعلقة بإعادة النظر بشكل جذري بطريقة تعليم النشء وفي إعداد المناهج وتصميمها، من أجل إعادة بناء عقل الجيل الأمريكي الجديد بطريقة مختلفة عما سبق، وأعتقد أن هذا الأمر ينبغي أن يكون محلاً للتوافق والإجماع بين أهل النظر والمسؤولية لدينا مهما اختلفت تجاهاتهم الفكرية والسياسية.
ملخص القول إن الشأن التربوي من حيث الرؤية والاتجاهات والمناهج والمرتكزات ينبغي أن تنبع من رؤية وطنية موّحدة وفلسفة متفق عليها، ويتم التوافق المجتمعي عليها من خلال عقد مؤتمرات وطنية عامة تمثل الشعب الأردني تمثيلاً صادقاً وحقيقياً، وتشترك فيه كل الكفاءات العلمية والتربوية، وجميع المؤسسات المختصة والجامعات ومراكز البحث، بطريقة علمية تتسم بالموضوعية والنزاهة والشفافية، بعيداً عن التجاذبات التي يعيشها مجتمعنا بشكل مرضي وبعيداً عن الاجتهادات الفردية، وتكون تحت إشراف مؤسسات الدولة الرسمية المختصة بكل مستوياتها ابتداءً من مجلس النواب، ومجلس التعليم العالي، ووزارة التربية بشكل مؤسسي واضح.
ما زال هذا الملف يسوده الغموض، وهناك همس حول بعض التدخلات غير المنظورة منسوبة لبعض مراكز القوى وأصحاب النفوذ، وهناك تجاذبات تظهر بوضوح على السطح الإعلامي بين الاتجاهات الإسلامية والمحافظة عموماً من جانب، والاتجاهات الليبرالية والحداثوية والعلمانية من جانب آخر، مما يحتم على رئيس الحكومة بصفته المسؤول دستورياً عن كل شؤون الدولة، ووزارة التربية بصفتها المؤسسة المختصة أن تشعر الشعب الأردني بالأمان والاطمئنان على وجود رؤية وطنية واحدة، وفلسفة تربوية حضارية أصيلة تحكم المسار التربوي المتعلق بأبنائهم، وأن لا يشعر أحد بالقلق حيال مستقبلهم ومستقبل الجيل الأردني القادم.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :