أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات المرحلة النهائية في عملية التصفية العربية

المرحلة النهائية في عملية التصفية العربية

12-04-2017 12:45 PM

د. رحيل محمد غرايبة

تطويع العرب نحو التسوية النهائية جاء عبر عدة مراحل متوافقة ومتوازية مع مراحل تطور القضية الفلسطينية، وكل مرحلة جاءت بعدة فصول متوالية، ويمكن قراءة التاريخ السياسي العربي الحديث من خلال هذا المنظور، لأنه يشكل معياراً مهماً من معايير التشكل الإقليمي العربي، وفق توافق دولي استراتيجي واضح المعالم والخطوات، وإن كان هناك بعض الاختلافات التفصيلية في بعض الجزئيات التي لا تخرج بمجملها عن الخطوط العريضة للتوافقات الدولية بين اللاعبين الكبار.
بدأت المرحلة الأولى بعد الحرب العالمية الثانية بإنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين عام 1948م، وجاء الاعتراف الدولي من القوى الكبرى سريعا لحظة الاعلان عن ولادة الكيان الجديد ؛ ليعطي مؤشراً قاطعاً على التوافق الدولي على نشأة هذا الكيان وتهيئة الظروف العالمية والإقليمية من أجل رعايته ونموّه وبناء قوته المتدرجة، حيث تسابقت روسيا وأمريكا على الاعتراف به في هيئة الأمم المتحدة، وبدأت مسيرة المعاناة العربية منذ تلك اللحظة، في كيفية التعامل مع هذا الاحتلال الجديد وفي كيفية التكيف مع آثاره ومخلفاته.
جاءت المرحلة الثانية في عام (1967) لتشكل محطة جديدة في بناء قوة الكيان الجديد وتمدده، وإضعاف الجبهة العربية وتمزيقها، من أجل اقتراب العرب من مسار التكيف مع الوضع الجديد، والانتقال بهم من المطالبة بالأرض المحتلة عام 1948م، إلى المطالبة بالأراضي المحتلة عام 1967م، وهذه المطالبة تقتضي بشكل حتمي الاعتراف بشرعية الاحتلال الأول، واعتباره أمراً واقعاً لا سبيل لإنكاره، وأصبح ذلك مساراً سياسياً لكل العرب والفلسطينيين أيضاً، لأن حركة التحرير الفلسطيني التي أنشئت عام 1965م انتقلت خلال سنوات قليلة إلى المطالبة بما تم احتلاله بعد 1967م، وينطبق ذلك على مجمل الحركات الثورية الأخرى.
المرحلة الثالثة بدأت (بمعاهدة كامب ديفيد) التي ارتكزت على تحييد القوة المصرية وابعادها عن صف المزاجهة ، ووقعت مصر على المعاهدة التي نصت على السقف الأعلى للفلسطينيين (بالحكم الذاتي)، ولم يشر لا من قريب ولا من بعيد لحل (الدولتين)، أو الدولة الفلسطينية المستقلة.
المرحلة الرابعة تمثلت بإخراج منظمة التحرير من لبنان عام 1982 من اجل انتقال المنظمة الى النضال السلمي والتخلي عن البندقية، ومن ثم صدور مبادرة ريغان، ومبادرة الملك فهد التي أطلق عليها «المبادرة العربية» التي لم تخرج عن سقوف ما وقع عليه المصريون سابقاً ، وهذه المرحلة هيأت لاعتراف عربي واسع ، واعتراف فلسطيني رسمي عبر اتفاق (أوسلو عام 1993م)، الذي أعقبه اتفاق وادي عربة والذي لم يخرج عن هذا السياق، وشكل ذلك محطة مهمة في سياق الذهاب نحو التسوية النهائية.
المرحلة الخامسة تمثلت بتحطيم القوة العراقية، وإخراجها من المعادلة العربية، وأصبحت الدولة العراقية خارج إطار التأثير في المسار السياسي العربي، بل إن العراق تتجه لتكون مثالاً للدولة الفاشلة، بعد الاحتلال الأمريكي، حيث تم حل الجيش العراقي، وإنشاء كيان فدرالي جديد منهك، يقوم على الصراع العرقي والمذهبي، وبتحطيم القوة العراقية تم اسدال الستار على فصل آخر من فصول اللعبة السياسية.
المرحلة السادسة ربما تكون المرحلة الأخيرة التي تم فيها الإجهاز على الدولة السورية وتجريدها من قوتها، كما تم الإجهاز على بقية مكامن القوة العربية، وتم أشعال الفوضى في العالم العربي كله، من اجل ابعاد شبح القوة وكل التهديات المتخيلة في سياق التهيئة للتسوية النهائية، حيث أصبح العرب بلا مخالب ولا انياب ، وبلا أوراق قوة قادرة على المواجهة العسكرية، مما يؤكد إزالة كل العوائق أمام إنجاز التسوية النهائية حسب المقاييس الاسرائيلية .
ما ينبغي التوقف عليه بوضوح ان انجاز المراحل السابقة جاء في سياق توافق دولي مؤكد، حيث أنه لم يخرج عن اطر عامة لمشاركة روسية – أمريكية – أوروبية - صينية، ومن خلال هذه التوافقات ياتي دور روسيا في صياغة الشكل المقترح لسوريا الجديدة التي بدت ملامحها في «مشروع الدستور الروسي «، الذي طرحته مؤخراً على الأطراف السورية.
الاصطفاف العربي عبر المحاور المختلفة والاختلاف الإقليمي الإيراني – التركي لا يخرج عن سياق الاتفاق الدولي بالإطار العام ، وإن وجدت بعض الاختلافات في التفاصيل وتحديد الأدوار ودوائر النفوذ، وربما تكون المرحلة السادسة هي آخر المراحل لإرساء معالم التسوية النهائية للإقليم بأكمله، التي لن تتضمن سقفا اعلى من سقف الحكم الذاتي للفلسطينيين ،،بل ان قادة الكيان الصهيوني يعملون جاهدين على تخفيض هذا السقف الى ما دون الحكم الذاتي ، مما يؤشر على تخفيض سقف التوقعات وتقليل منسوب التفاؤل العربي والفلسطيني في الاقتراب من حل معقول كحل الدولتين والدولة المستقلة للشعب الفلسطيني القادر على وضع حد للازمة المعقدة التي فرخت كل ازمات الاقليم والمنطقة.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :