د. رحيل محمد غرايبة
الواقع المؤلم للعالم العربي، وما يسود بعض أقطاره من اقتتال داخلي مروع، وحروب أهلية بشعة، ترتد آثارها السلبية على كل أفراد المجتمع وعلى جميع مكوناته، ولكن الأطفال يدفعون ثمناً باهظاً من طفولتهم وبراءتهم ومستقبلهم، على الصعيد النفسي والبدني وبيئة التنشئة الشاملة، فقد أعلنت المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أن لديها احصاءات تفيد بوجود (15000) مجند من الأطفال في صفوف المتمردين الحوثيين في اليمن، وأفادت المتحدثة باسم المفوضية أن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير لأنه يصعب التحقق من المعلومة في ظل الظروف الحرجة التي يمر بها المجتمع اليمني وفي ظل التكتم الأسري.
وتفيد بعض التحقيقات أن كثيراً من الأُسر تدفع أبناءها للالتحاق بصفوف المقاتلين تحت وطأة الحاجة والفقرالمدقع الذي يعاني منه المجتمع اليمني في ظل الحرب الداخلية المستمرة، حيث يتم دفع مبلغ شهري للمجند من (80-120) دولارا، بالإضافة إلى دور بعض الوعاظ في الحض على الجهاد والتعبئة المذهبية القائمة على التعصب والحميّة، وهناك من يعمل على استعمال الأطفال للتفجير والتفخيخ، وهناك من يتعمد قتل الأطفال وتعذيبهم والإساءة إليهم بشكل ممنهج.
هذا بعض الثمن، ولكن هناك أثمان أخرى تدفعها الطفولة المعذبة في كثير من الأقطار العربية، مثل الحرمان من التعليم وما طرأ من تعطيل طويل الأمد للحالة الدراسية، كما يحدث في كل من سوريا والعراق وليبيا، وتسرب كثير من الأطفال خارج التعليم المدرسي المتعثر في مخيمات اللجوء، ليذهبوا إلى ممارسة بعض الأعمال من أجل الإسهام في إعاشة عائلاتهم والانفاق على أسرهم التي فقدت معيلها، أو الأسر الفقيرة التي لا تجد قوت يومها.
أما الثمن الأشد سوءاً الذي يدفعه الأطفال نتيجة نقص التنشئة الاجتماعية المطلوبة، وفقدان البيئة الصحية للتربية واكتساب القيم السلوكية، ولذلك ليس هناك أشد خسارة من تهشيم منظومة القيم لدى الطفل الذي يفتقد للحاضنة المجتمعية على صعيد الأسرة، وعلى صعيد المجتمع كله الذي تعرض للتفكيك والتهجير والقتل والتدمير، أما الحديث عن حق الأطفال في اللعب، والقراءة وتنمية أبعاد شخصيته في بيئة مستقرة وآمنة يصبح ضرباً من ضروب الترف في ظل المشهد العربي القائم.
الحديث الأشد مرارة هو ذلك المتعلق بالمستقبل، حيث أن هذه الطفولة الضائعة والمهشمة والمنتهكة الحقوق؛ هي التي سوف ترسم معالم المستقبل على صعيد المنطقة كلها، فكيف سيكون وجه العالم العربي القادم على صعيد العلم والمعرفة والانتاج والاقتصاد والتربية، وعلى صعيد الأنظمة السياسية والسلطات الحاكمة ومستوى الديمقراطية والحرية.
الدول المتقدمة التي تسعى لبناء مستقبل أفضل وأكثر تطوراً وتقدماً، تعمد إلى العناية بالأجيال القادمة وتكون أكثر عناية بالطفولة، وتعمد إلى إيجاد البيئة الصحية السليمة التي تصلح لاستنبات العقل وبناء النفس السوية والعناية بمعالم الشخصية القادمة من خلال توفير التعليم والتربية والصحة النفسية الشاملة على جميع الأصعدة وفي كافة المجالات، لأن الأطفال هم ثروتها الحقيقية ورصيدها من القوة المطلوبة.