د. محمد طالب عبيدات
في خضم الحراك الشعبي الذي نعيشه هذه الأيام صوب إفرازات لمرشحي مجلس النواب القادم للانتخابات النيابية التي هي إحدى الاستحقاقات الوطنية الدستورية التي يعوّل عليها الكثير لترجمة الرؤى الملكية السامية على أرض الواقع في مجالات تجذير وتوسيع المشاركة الشبابية والنسائية وتفعيل الديمقراطية وترسيخ دور المؤسسات البرلمانية. وفي خضم تأكيد جلالته مراراً بأن الانتخابات ستكون حرّة ونزيهة وبصرف النظر عن موضوع الانتماءات أو الولاءات السياسية أو الحزبية أو العشائرية أو الفردية أو الشخصية، وهذا مؤشر على أن النائب المطلوب للدائرتين المحليّة والوطنية هو نائب الوطن الذي يغلب المصلحة العامة على الخاصة، والذي يحمل هموم وقضايا الوطن ولا يتطلع إلى المصالح الضيقة ولكنه ذوبصيرة ثاقبة تنصب جهوده على التقدم بهذا الوطن للأمام والمساهمة في ثقافة العهد الجديد التي يقودها جلالة الملك بأذرع الإصلاح والتجديد والتحديث لأجل البناء والنماء، فمسؤولية النائب جد كبيرة وزخم المسؤولية في التشريع والرقابة والمساءلة كبير، ولهذا فان النيابة تكليف وليست وجاهة أو تشريفاً أو شيخة أو مغنمة، وهمّ النائب الأول يجب أن يكون خدمة الوطن والمواطن والتضحية بمصالحه الشخصية من أجل المصلحة الوطنية، فأجندته أجندة الوطن لا أجندة المصالح الضيقة أو الخاصة.
ولهذا فإننا نتطلع إلى أن يمضي النائب قدماً في نهج ترسيخ الديمقراطية وتعزيز التنمية السياسية وإثراء التجربة الديمقراطية ونمو الاقتصاد الوطني وتعزيز الأمن والاستقرار الوطني ومكافحة الفساد والمضي قدماً في الإصلاح في ظل نهج الدولة الأردنية، وهذا يؤكد على امتلاكه الكثير من الصفات الجمة قبل انتخابه كالكفاءة العلمية والثقافية العامة والوطنية في القضايا السياسية والاقتصادية والتعليمية والشبابية وقضايا المرأة وغيرها والوعي العام، والكفاءة العملية للمرشح وان تكون لدية الخبرة باحتياجات منطقته الانتخابية ومعاناتهم وان يتحمل المسؤولية بأمانة وملتزماً أدبياً وأخلاقياً مع الوطن والشعب مبتعداً عن المحسوبية والمصالح الشخصية الضيقة والفئوية وواعياً لقضايا أمته ووطنه ومثقفاً وسياسياً وملماً بالقضايا الاقتصادية التي تمر بها البلاد والأخطار المحيطة بالمنطقة، متسلحاً بالأفق الواسع والمتابعة للأخبار والأوضاع العالمية مع الاطلاع على متطلبات واحتياجات أبناء منطقته ليوائم بين كل المهام ولكي لا ينحصر في نطاق خدماتي ضيق يقتصر على عشيرته أو مصلحته الخاصة، ولعل اختيار النائب على أساس الكفاءة يعد الفيصل في هذا المضمار مع أهمية تعزيز المكتسبات الوطنية والانجازات من خلال توحيد الطاقات الشبابية –فرسان التغيير- وإشراكهم في العملية الانتخابية وغيرها الكثير.
ومن هنا يبرز ضرورة وضع معايير لاختيار النائب الذي سيطرح نفسه لمجلس النواب بحيث تكون البوصلة والإطار العام التي يمكن من خلالها توظيف عملية حسن الاختيار بعيداً عن الاعتبارات التي من شانها أن لا تحقق الغاية في إيجاد مجلس نيابي قوي قادر على الإسهام في قضايا تطوير العمل السياسي وتنمية الديمقراطية وتدعيم الاقتصاد الوطني والأمن الوطني وفق آليات غايتها الصالح العام. والمطلوب هنا تحييد وتجنيب المصالح في آلية الاختيار لان عواقبها تفوق ما يمكن أن تحققه على الصعيد الفردي لا سيما وان اختيار الناخب يعني منح المرشح وثيقة شرعية ليستمر في عمله التشريعي والرقابي والمساءلة على مدار أربع سنوات، والناخب لا يستطيع البتة محاسبته خلالها، لكنه يحاسبه فقط عند معاودة الكرة للنيابة مرة أخرى. وبهذه المعايير نحقق انتخاب مجلس نواب قوي وممثل للشعب الأردني ويستطيع أن يعبر عن آمال وطموحات هذا الشعب في سبيل إيجاد برلمان قوي وممثل لجميع أطياف المجتمع الأردني، ونخرج بمجلس نيابي يرقى إلى مستوى طموحات الوطن والى مستوى البرامج التي نريد أن ننفذها لمصلحة الوطن والمطلوب منا جميعاً كما أشار جلالة الملك في ذات مرة بان نبتعد عن توظيف المال السياسي وشراء الأصوات والضمائر والتجيير لغايات الانتخابات لأن من يبيع صوته يبيع الوطن وأكثر من ذلك، كما أنه مطلوب الابتعاد عن الشعارات الرنانة والوعود التي لا علاقة لها بالحقيقة والواقع وشراء الضمائر، وأن نكثف الجهود للتوعية السياسية المطلوبة للناخبين لاختيار الأفضل.
والكل يدرك جيداً أن الضغوط التي يتعرض لها النائب الممثل لمنطقه في عمان الغربية تختلف عن الضغوط التي يتعرض لها نائب عن المناطق النائية ببساطة لأن النائب يجد نفسه بان هؤلاء الناس لهم عليه حق لأنهم انتخبوه وهو ليس معزولاً عن الطلبات الخدمية في منطقته لأجل خدمتهم وإنشاء البنية التحتية لمنطقته مما يعزز أن يكون نائب خدمات إضافة إلى كونه نائبا للوطن، وبذلك يكون النائب ملماً بالأدوار المطلوبة منه كالرقابة على الحكومة والتشريع وتمثيل الوطن ومصالحه العليا ومطالب المناطق التي يمثلها النائب وليحيط بشمولية بمصلحة الوطن. وحيث أن العشائر والمناطقية في غياب الأحزاب تشكل قوى ضاغطة على النائب لأن ثقافتنا هي كذلك فهي في معظمها ثقافة عشائرية وطنية وقليلها ثقافة حزبية، فإنه علينا واجب تجاه الوطن بأن نحسن الخيار بانتخاب الأفضل والأكفأ حتى داخل العشيرة الواحدة.