د. رحيل محمد غرايبة
لقد وعدت الحكومة الشعب الأردني بالتصدي للأزمة بقوة، ووعدته أيضاً بتحقيق النجاح في تخطي المرحلة الصعبة، رغم التحديات المحيطة، ورغم الوضع الإقليمي البائس، ورغم التوقعات السوداوية بعدم التزام الدول المانحة بما وعدت به تجاه اللاجئين العابرين عبر الحدود والهاربين من جحيم القتال الدامي في دول الجوار.
حتى تفي الحكومة بما وعدت عليها أن تنجح في المساقات الإجبارية الآتية:
المساق الأول يتمثل بالقدرة على وقف عجلة الفساد وامتلاك الجرأة على محاسبة الفاسدين، والعمل على استرجاع الأموال العامة التي استولى عليها الفاسدون، وهذا يتطلب تقديم رؤوس الفساد إلى المحاكم المختصة، وأن يتحقق ذلك أمام الناس والجمهور بكل شفافية، وربما يشكل ذلك خطوة مهمة على صعيد استعادة الثقة المفقودة بين الشعب والحكومات المتوالية، لأن الناس يقولون نسمع تنظيراً في مجال محاربة الفساد، ولكن لم يتم حتى الآن القبض على الفاسدين، وكل المحاولات السابقة كانت تنتهي إلى الهباء والعدم، وسرعان ما يعود رموز الفساد إلى الظهور وممارسة حياتهم وكأن شيئاً لم يكن، فعلى رئيس الحكومة أن يترجم ما جاء في مقابلته على التلفزيون الأردني وفي لقائه في هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، وما صرّح به للإعلام خلال الأيام الماضية إلى واقع ملموس يلمسه الناس ويبصرونه عياناً كما قال جلالة الملك بكل وضوح؛ لأن تقديم مجموعة من هؤلاء للمحاكمة يمثل إنقاذاً للأردن وحلاً للأزمة أو يمثل الخطوة الأولى المهمة على صعيد حل الأزمة، وعند ذلك سوف يرفع الشعب الأردني دولة الرئيس فوق رؤوسهم.
المساق الثاني يتمثل بالإقدام على خطوات جريئة وحاسمة باتجاه وقف الهدر في المال العام، عن طريق تخفيض الرواتب العالية وربط المكافآت بالإنجاز عبر معايير محددة ومنضبطة ومعلنة بكل شفافية، ووقف الهدر في الانفاق على السفرات أو المياومات والاحتفالات وحركة السيارات ووقف حركة تبديل الأثاث المستمر ، ،واستعادة أملاك الحكومة من المتنفذين، ومراقبة العطاءات الحكومية بكل صرامة، ووقف كل أشكال التحايل التي تتم ممارستها عبر التلزيم من خلال الشللية والمحسوبية التي ضربت عميقاً في القطاع العام، والمضي قدماً في وقف الجمع بين الرواتب المزدوجة ومكافآت العضوية في المجالس الإدارية القائمة على التنفيع.
ويحوي هذا المساق موضوعاً آخر يتعلق بإخضاع تجربة الهيئات المستقلة والمناطق الخاصة للمراجعة وإعادة التقويم، بناءً على الموازنة بين النفقات من جهة وما رفدت به خزينة الدولة من جهة أخرى.
المساق الثالث يتمثل بعدم الميل على طبقات الشعب الفقيرة والوسطى في تغطية العجز، والذهاب أولاً نحو الأثرياء والمقتدرين ليتحملوا عبئاً معقولاً في خدمة بلدهم ووطنهم الذي كان سبباً في ثرائهم، من أجل الإسهام في دفع ضريبة الانتماء في ظل هذه الأزمة الخانقة، وهذا يقتضي إعادة النظر في السياسة الضريبية حتى تكون تصاعدية ونسبية بحسب الدخول والأرباح التي تعبر عن روح العدالة الحقيقية في هذا الجانب ، ووقف التهرب الضريبي الذي لا يتقنه إلّا الأثرياء وأصحاب النفوذ.
المساق الرابع له سمة ثقافية ومعنوية يتمثل في إعادة بناء الاستثمار في الإنسان، إذ إن المورد البشري يعد أعظم الموارد لأي مجتمع بشري، وهذا يقتضي البدء الفوري في المراجعة والتقويم للمسار التعليمي والتربوي والمهني ومسار التعليم الجامعي، جنباً إلى جنب مع تعظيم مسار الحريات والحفاظ على كرامة الآدمي وحقوق الإنسان في إطار الهوية الوطنية الجامعة والانتماء الوطني العميق، والذي لا مجال لتنميته إلّا عبر إصلاح سياسي شامل يحقق أعلى درجات التحديث وتحقيق معايير الدولة الحديثة، والسير قدماً نحو بناء نموذج ديمقراطي حقيقي يشكل نقطة الضوء في النفق العربي المظلم.