د. رحيل محمد غرايبة
بدأت مظاهر المرحلة الجديدة بالبروز، وبدأت الأطراف الدولية والإقليمية بالتموضع، وبدأت عمليات الطبخ والإعداد بشكل جدي، فهناك مؤتمر باريس للبحث بالشأن الإسرائيلي – الفلسطيني برعاية فرنسية أوروبية، وسوف يتم بحث مخرجات المؤتمر في مجلس الأمن، وهناك مؤتمر في «الاستانة» يجمع الروس والاتراك والايرانيين من أجل بحث الترتيبات النهائية للوضع السوري، وهناك مؤتمر في «موسكو» يجمع الأطراف الفلسطينية من أجل البحث عن صيغة موحّدة تجمع الأطراف الفلسطينية لتكون مستعدة للتعامل مع الصيغ المقترحة دولياً للتسوية النهائية، كما أن الرئيس الأمريكي الجديد «ترامب» يستعد لدخول البيت الأبيض من أجل الشروع بتدشين الانطلاقة الجديدة للسياسة الأمريكية في العشرين من شهر كانون الثاني الحالي.
«ترامب» الذي سوف يقود السفينة الأمريكية لمدة أربع سنوات قادمة، يرى أن الخطر الحقيقي الذي يستحق المواجهة من قبل الولايات المتحدة هو «العملاق الاقتصادي الصيني»، وليس هناك خطر آخر يتقدم عليه بالأولوية، وهذه الرؤية ليست حكراً على ترامب والحزب الجمهوري، بل إن «أوباما» قد صرح سابقاً بأن الشرق الأوسط لم يعد يمثل الأولوية الأولى على صعيد السياسة الأمريكية وإنما انتقلت الأولوية لمناطق شرق آسيا بوصفها على خط المواجهة الجديد مع الصين، وقد انعكس ذلك بوضوح عبر خطوات متدرجة لتبريد جبهة الصراع مع إيران ومع كوبا، وتأخر دول الخليج والنفط على سلم الاهتمامات الأمريكية ، والانسحاب التدريجي من الملفات الساخنة في الشرق الأوسط وإعطاء المساحة الواسعة لروسيا.
يبدو أن «ترامب» يخطط لرفع مستوى التنسيق مع روسيا من أجل التوافق على رسم معالم النظام الدولي الجديد، حيث أن معالم الصفقة الظاهرة مع الروس تبدو على شكل اطلاق يد روسيا في الشرق الأوسط، مقابل فك التحالف مع الصين، حيث أن روسيا أصبحت تدير الملف السوري بوضوح، وانتقلت إلى ليبيا من أجل مساندة «حفتر»، وترتيب الوضع الليبي، كما أنها اشتغلت على الموضوع الفلسطيني من خلال السعي لجمع الأطراف الفلسطينية، وهناك محاولات تفكير في الشأن اليمني.
ومن أجل ضمان نجاح تفكيك التحالف الروسي – الصيني، يمكن لأمريكا الاستغناء عن التحالف الأوروبي، ولذلك فإن ترامب يعلن بوضوح تأييده لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويشجع أطراف أوروبية أخرى أن تحذو حذو بريطانيا، مما يدلل بوضوح على رغبة الإدارة الأمريكية عن الاستغناء التدريجي عن هذا التحالف، بل ذهب ترامب إلى أبعد من ذلك عندما أعلن أنه لا حاجة (لحلف الشمال الأطلسي) حلف الناتو، وأنه صيغة قديمة من صيغ المرحلة السابقة.
إذن نحن نقف بوضوح أمام معالم خارطة جديدة مختلفة للسياسة الدولية بدأت بالتشكل، وبدأت معالم صيغ جديدة مختلفة للتحالفات الدولية والإقليمية، وهناك دول قرأت المشهد بشكل مبكر وبدأت عمليات الاستدارة للتكيف مع مقتضيات المرحلة الجديدة وأكثر ما ينطبق هذا الوصف على تركيا، وكذلك خرج نتانياهو بإعلان الدعوة إلى انتخابات اسرائيلية مبكرة من أجل الاستعداد لمواجهة استحقاقات المرحلة الجديدة.
تبقى المشكلة المستعصية عند العرب، الذين يعيشون على هامش الأحداث، ولم نشاهد استعدادات حقيقية لديهم من أجل امتلاك القدرة على التعامل مع استحقاقات المرحلة الجديدة بطريقة منظمة وموحدة ومدروسة.