د. رحيل محمد غرايبة
لا شك أن هناك أزمة كبيرة ومتفاقمة تجتاح المنطقة بأكملها، والأردن جزء منها، وهي تكاد تشمل كل الدول والأقطار العربية بما فيها دول الخليج العربي وتلك الدول التي نجت من فوضى ما أطلق عليه «الربيع العربي» وتوابعه وآثاره وتداعياته الكثيرة والعديدة والمختلفة على الصعيد السياسي والاقتصادي بالدرجة الأولى.
يبدو أن الأزمة تتجه في تفاقمها نحو الذروة،على الصعيد السياسي اولا تتبلور مسالة إعادة توزيع الأدوار في الإقليم بحسب أوزان المصالح وحجم التأثير لكل دولة، مما يؤكد أفول بعض القوى وصعود قوى أخرى، في ظل التفاهمات العليا والوسطى على صعيد التسويات الدولية والإقليمية، وهناك مؤشرات ودلالات آخذة بالظهور من ثنايا الأحداث من أجل التمهيد لهذا الحدث المهم، وعلى الصعيد الاقتصادي ايضا يزداد الامر سوءا ويزداد المشهد قتامة ،ويبدو ان الانفراج سوف يحتاج إلى بضع سنوات أخرى فوق الخمس العجاف التي اكتسحت المنطقة ، وقد أذابت الشحم وأكلت اللحم ودقت العظم، وهناك المزيد.
أرقام العجز الكبيرة التي ظهرت في موازنات دول الخليج مؤشر كبير إلى عمق الأزمة في (2017)، حيث أنه تم استهلاك ما تم توفيره في السنوات السابقة إبان ارتفاع أسعار النفط، ، ومشكلتنا نحن في الأردن أننا ذقنا مرارة ارتفاع أسعار النفط سابقاً، لأنها كانت سبباً في ارتفاع فاتورة النفط التي أرهقت الموازنة العامة، وفي الوقت نفسه نحن نكتوي بنار انخفاض أسعار النفط مرة أخرى، لأن ذلك ينعكس على انخفاض المنح الخليجية للأردن أو نضوبها في التعبير الأدق، كما أن ذلك سوف يؤدي إلى تسريح أعداد كبيرة من العمالة الأردنية في دول الخليج، سواء على صعيد المهندسين أو المدرسين، أو بقية المهارات الفنية، حيث أن الأرقام تشير أن عدد المهندسين العاملين في السعودية ودول الخليج أكثر من أعداد المهندسين العاملين على الأرض الأردنية، وهذا يجعلنا أمام قراءة صعبة وبالغة الخطورة للمستقبل القريب.
نحن بحاجة إلى مصارحة ومكاشفة في هذه المرة اكثر منها في اي مرحلة سابقة ؛ سواء على صعيد وصف الأزمة وتشخيصها بطريقة علمية دقيقة، او على صعيد المعالجة أيضاً، وينبغي على الحكومة والجهات الرسمية أن تتعامل مع هذا الموضوع بطريقة مختلفة عن الأعوام السابقة، حيث لا ينفع في هذه المرة كل أشكال الذكاء الإعلامي، وكل مستويات الضبابية والمراوغة في كشف الحقائق وبسطها أمام الجمهور الأردني. أعتقد أن المصارحة مطلوبة على كل الأحوال من أجل مجموعة من القضايا المهمة والخطيرة :
أولها: أن الأزمة التي نمر بها او تمر بنا والتي على هذا النحو من الجسامة تحتاج إلى شراكة حقيقية بين كل الأطراف المجتمعية، ويبدو أن الشريك الأكثر أهمية في هذه المعادلة هو الشعب الأردني كله بكل مكوناته وامكاناته ، لأنه هو الذي سوف يدفع الضريبة الباهظة لأي معالجة قادمة، وليس معقولاً أن يكون الشعب شريكاً في تحمل الضريبة وتحمل سياسة شد الأحزمة التي سوف تشكل العمود الفقري لسياسات الحكومة وحزمة الإجراءات القادمة لا محالة ، ثم لا يتم اشراكه في المعلومة الصادقة وكشف الحقيقة الكاملة ، وفي الحلول زالسياسات و الإجراءات كذلك ، ومقدار جدواها وفاعليتها.
ثانيها : أننا بحاجة إلى مواجهة شاملة، واستنفار كامل وإعلان حالة الطوارىء، مما يقتضي تهيئة الشعب والجمهور من الناحية النفسية والمادية لهذه المرحلة الصعبة، والمواجهات الحاسمة على هذا الصعيد، لأنه في حالة المواجهة الصعبة لا تنفع الملاومات والمناكفات والتملص من المشاركة في تحمل المسؤولية، لأن أرجل الجميع في الفلكة.
ثالثها: القضية الأكثر أهمية لمعنى المشاركة التي سوف تسهم في إنجاح عملية المواجهة، أن تكون الطبقة العليا من المسؤولين وأصحاب الشأن والأثرياء والأغنياء والمتنفذين هم القدوة الأولى في سياسة التقشف و (شد الأحزمة) ، لأنهم ما زالوا يمتلكون بطوناً تصلح للشد، أما الطبقة الفقيرة والوسطى فلم يبقى لهم بطوناً ولا ظهوراً تصلح لسياسة شد الأحزمة التي استمرت سنوات طويلة سابقة، وهذا يحتم على الحكومة الاستغناء عن كل النفقات غير الضرورية، وإعادة النظر في سفرات الوفود والنفقات الخارجية، وتقليل أعداد طواقم السفارات والاستغناء عن كثير منها والاستعاضة عنها بوسائل أقل كلفة، وإلغاء المؤتمرات ونفقات الإقامة في الفنادق الفخمة والسفر على الدرجة الخاصة، ووقف الهدر على الشركات الخاسرة، والتوقف عن حماية الفساد، والشروع باسترجاع أموال الخزينة التي تم الاستيلاء عليها عبر السنوات السابقة ،والقيام بخطوات المحاسبة الجادة التي لم تتم حتى هذه اللحظة.