ناديا هاشم / العالول
لا شك اننا نعيش عصرا أقل ما يمكن ان نطلق عليه هو عصر العنف بامتياز .. عنف فردي وجماعي ودولي ..متسللا حتى للسلوكيات والعلاقات الانسانية العادية التي تماهت دوما باللطف و"النزاكة" وطيب المعشر فغدت تتسم –
بعضها- بالعنف المبطَّن تجاه الآخر , فما كان يُحَلّ بفنجان قهوة وجلسة طيبة وقُبْلة على الجبين تنتهي بتراضي الأطراف المتنازعة معيدة المياه لمجاريها في زمن ليس ببعيد أصبح صعب المنال وكأن صفاء النيّة وحلوالكلمة غدت تنتمي لعصر سحيق لا علاقة لنا به .. لا من قريب او بعيد ..
فما أسهل ما تخرب العلاقة الآن وما أصعب ان ينصلح حالها !
صحيح ان العنف الإقليمي والعالمي والمذهبي والطائفي قد انسانا قضايا أخرى مثل إصلاح الثقافة أو القوانين ويا حبذا الاثنين معا ،في ظل معمعة أسطورية عالمية وإقليمية تسموفيها المصالح الى الحد الذي يبدو فيه "المنطق " خاويا واهيا لاقيمة له بجانب طوفان "اللامنطق" الجارف لكل ركائز العقلانية والموضوعية ..
ومع ذلك يشعُّ ضوء الأمل منيرا لنا درب الإصلاح لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر تمكين كل ما هو ضعيف متداع يوشك على السقوط والتفتت والتلاشي ..
ولهذا ما أحوجنا الى تعديل قوانين العقوبات والإنتخاب والأحزاب ...الخ للوصول لبرِّ الأمان الإصلاحي .. فترانا متنقّلين بين ورشة عمل هنا ..الى تحالف هناك.. الى تدريب يمتد اياما ندرس ونناقش ونفنِّد ونوصي بتغيير مادة قانونية هنا وتعديل نصّ هناك من شأنه ان يقنع صناع القرار التشريعي والتنفيذي بالتعاطف مع الغالبية الوطنية بكافة ألوانها السياسية وشرائحها الاجتماعية لتحقيق تنمية سياسية مستدامة تنعكس فعلا على مسارات التنمية الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية .. الخ
كثيرا ما نُسْأل لماذا كل هذا الاهتمام والانغماس بالعمل العام وقضاياه الشائكة ؟
فنجيبهم بالقول المشهور: إذا انتَ لم تزِدْ على الحياة شيئا فانت زائدٌ عليها..
فالإضافة الحقيقية من جانبنا لا تعني الأكل والتكاثر والتركيز على النفْس فهنالك مسؤولية مجتمعية نطالب بها العباد تجاه الآخرين والأرض والوطن ..
فالكل مسؤول عن توريث بيئة مناسبة طبيعية واقتصادية واجتماعية وسياسية ..الخ للأجيال القادمة ..ِوإلا وجودنا على ظهر هذه البسيطة يقع بزاوية - اشارة الناقص- ، تنقص كلَّ مدّخرات الإنسانية من الإيجابيات طارحة اياها بالعدم .. وهذا ما نحاول محاربته ..
فكل له دور للإضافة ..وفق مهاراته وإمكانياته ..
فمثلا هنالك قضايا عديدة نستطيع متابعتها والإضافة عليها من خلال القنوات المناسبة
فنخطط ونضع الأهداف والآليات والمتابعة والتقييم مما يعني التحرك والعمل والانجاز ..لقياس ما تحقق وما لا يتحقق .. ولماذا لم يتحقق ..وكيف نحققه ليتبلور على ارض الواقع ..
صحيح .. انه في كل حقل ومجال وعلى كل صعيد هنالك "مع ".. وهنالك " الضد "!
هنالك موالاة ومعارضة .. هناك الموافق وغير الموافق .. هنالك دوما الرأي الآخر ولكن من اجل الإضافة الإيجابية وليست السلبية الكامنة بالمعارضة من اجل المعارضة ..
ونحن مع الإختلاف ما دام انه لا يفسد للود قضية.. فالتعددية تولد إثراء وتكاملا .. ولكن هنالك فرق بين الإثراء وبين وضع العصيّ بالدواليب مانعين العربة من التقدم للأمام فتشدنا دوما للخلف ..
وفعلا مؤخرا بين بذل الجهود لتعديل او تغيير قوانين الأحزاب والانتخاب من جهة .. وقانون العقوبات من جهة اخرى .. مركزين هنا مثلا على العنصر النسائي في قانونيْ الانتخاب والعقوبات متسائلين : هل الهدف الأسمى هو الخروج بقانون" توافقي" أم الهدف الخروج بقانون يحقق "الإصلاح" والتنمية المستدامة ؟
فإن كان "التوافق" هو الهدف المنشود فلن يحدث التراكم الايجابي المأمول لتحقيق القفزة النوعية التي نريد نحو الإصلاح والتنمية !
فالقوانين بعد تطبيقها على أرض الواقع تظهر ايجابياتها وسلبياتها على حد سواء وفق النتائج ..
ومما لا شك فيه ان المرأة لا تنصفها القوانين بصورة عامة ..
فمهما تعددت أشكال قانون الانتخاب بين صوت واحد ومتعدد الأصوات وقائمة حزبية او وطنية .. فلا امل حقيقي بفوز المراة بدون كوتا نسائية ريثما تنضج الثقافة المجتمعية التي تستغرق زمنا طويلا ولهذا تغيير القوانين هو الأسرع للاقتراب نحو الإصلاح ..
مطالبين مثلا بكوتا نسائية : امرأة عن كل دائرة -23- دائرة ،مما يرفع عدد مقاعد الكوتا من 12 او 155 - وفق تقسيم المحافظات وبدو الشمال والوسط والجنوب - الى 23..طبعا الى جانب الفوز التنافسي النسائي ..
ناهيكِ عن المادة 3088 بقانون العقوبات – زواج المغتصِب من المغتصَبَة – اي زواج الجاني من الضحية لينفذ من السجن عبر مادة مهترئة لادستورية ولاتشريعية ولاإنسانية ..
فهذه القوانين تمت تجربتها على أرض الواقع لسنوات و هي مستمرة حتى بعد اثبات فشلها ..
ملخصين معضلتها بتساؤلنا – كيف نتوقع الحصول على نتيجة أفضل ونحن بكل مرّة نكرّر الخطأ نفسه ؟
فعلا اللي بيجرِّب المجرِّب عقله مخرِّب!!