بقلم : عبدالله محمد القاق
في الوقت الذي احتفل فيه لبنان بعيد استقلاله والقى الرئيس اللبنانيميشال عون كلمة حامعة دعا فيها الى الوحدة والتضامن ونبذ الطائفية وبناء دولة المستقبل وتسريع تشكيل الحكومة الا ان لبنان يعيش في مواجهة مع الفلسطينين اثر عزم لبنان جار اسمته للحماية فيما وصفه اللبنانيون بالجدار العزل الامر الذي سبب خلافا جديدا بين الحكومة اللبنانية والفلسطينيين. والواقع ان مخيم عين الحلوة - مثل بقية المخيمات الفلسطينية في لبنان- منذ "اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية عام 1989 نوعا من الاستقلال الذاتي المقرون بحصار قوي عسكري وسياسي واجتماعي واقتصادي، لكن الدولة اللبنانية استمرت في سياستها الرامية إلى عدم نزع سلاح هذه المخيمات. ويخضع المخيم لمراقبة مُحكمة من الجيش والأجهزة اللبنانية الأخرى التي ترصد حركة الداخلين والخارجين منه عبر حواجز ونقاط تفتيش تحيط بالمخيم الذي تعرض خلال الحرب الأهلية اللبنانية لاجتياح إسرائيلي وللقصف من القوى المتقاتلة عدة مرات فدُمرت بعض أحيائه بالكامل. وما زالت روح الحرب تطوف أرجاء المخيم، فمن حين لآخر يحظى المخيم باهتمام إعلامي في نشرات الأخبار اللبنانية والعربية والعالمية، نظرا للأحداث الأمنية المتكررة التي يشهدها على الدوام، والاشتباكات المسلحة بين بعض فصائله المسلحة. ولا يكاد يمر يوم إلا ويشهد المخيم حادثا أمنيا أو انفجار عبوة ناسفة أو محاولة اغتيال أو اشتباكا مسلحا، رغم أن القائمين على أمنه يصفون عادة هذه الحوادث المتكررة بـ"الفردية" لأنها تجري بين قوى لا تملك مقاتلين على الأرض، مؤكدين أن الأمن في المخيم متماسك، وأنه لن يتحول إلى ساحة صراع بين القوى التي لديها مقاتلون. ويضم المخيم مسلحين من كافة الفصائل الفلسطينية بتوجهاتها الفكرية المختلفة ولكل منها له مربعه الأمني الخاص به، لكن حركة التحرير الفلسطيني "فتح) تعتبر الأقوى نفوذا وتسليحا في المخيم بسبب سيطرتها على اللجنة الشعبية التي شـُكلت من عدة فصائل وهدفها إدارة "القوة الأمنية المشتركة" الرامية لضبط الإشكالات الأمنية التي يعتقد بعضهم أن "لإسرائيل يد في إثارتها" داخل المخيم.
ويرى مراقبون كما تقول التقارير أن بعض التيارات داخل المخيم دخلت في صراع مع الدولة اللبنانية وتحاول أحيانا تمرير أجندتها الخاصة، كما أن بعض التيارات الدينية التي توصف بالتشدد تحاول هي الأخرى الاستفادة من وضع المخيمات الخاص وتستخدمها ملاذا آمنا أو نقطة انطلاق لتحقيق مآربها، وهو ما قد يستخدمه بعض الفصائل الفلسطينية المسيطرة على المخيم ورقة مساومة مع الحكومة اللبنانية.
وطالما نظمت الهيئات الشبابية والشعبية في المخيم عدة اعتصامات شعبية تعبيرا عن رفضها لكل حوادث القتل والاشتباكات المسلحة، وطالبت القيادات الفلسطينية على اختلافها بتحمّل مسؤولياتها في كشف الجناة وضمان الاستقرار والأمن في المخيم. ورغم ذلك، فقد اندلعت في أغسطس/آب 2015 اشتباكات بين قوى مسلحة داخل المخيم مما أدى إلى مقتل عدة أشخاص وجرح تسعمئة آخرين ونزوح أكثر من ألف من سكانه، وتوجه كثير منهم إلى مخيمات فلسطينية أخرى أو إلى منازل أقاربهم في مدينة صيدا المجاورة. وقد عززت حالة التوتر المحيطة بالمخيم المخاوف من تكرار تجربة مخيم نهر البارد الذي دُمر بالكامل إثر معارك استمرت عدة أشهر بين القوى الأمنية اللبنانية وتنظيم "فتح الإسلام" عام 2007، ومأساة مخيم اليرموك في سوريا منذ 2012. وعلى إثر هذه الاشتباكات علت أصوات داخل المخيم تدعو إلى خروج سكانه إلى صيدا وهو ما يعني عمليا إخلاءه ليكون منطقة عسكرية، لكن فصائل فلسطينية عديدة أطلقت دعوة مضادة اعتبرت فيها أن الخروج من المخيم "خيانة وطنية لفلسطين".
ويعتمد سكان مخيم عين الحلوة على المساعدات التي تقدمها لهم وكالة الأونروا، وعلى الدعم الذي توفره السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية الأخرى، إضافة إلى الأعمال التجارية البسيطة. وقد ظهر من خلال دراسة مؤسسة الشهاب المذكرة أعلاه أن 17% من أفراد عينة الدراسة في مخيم عين الحلوة لا يعملون أبدا، وأن معظم الأعمال التي يمارسونها هي أعمال حرف يدوية أو أعمال موسمية. ورغم أن اليد العاملة الفلسطينية تعتبر منتجة وفعالة، فإن عمل الفلسطيني يتم في لبنان بشكل غير معلن، كما لا تسمح القوانين اللبنانية للفلسطينيين بالعمل في المهن الحرة، وهو ما يسد الآفاق أمام المتعلمين منهم ويشكل عقبة رئيسية أمام طموح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.