بقلم : عبدالله محمد القاق
في خطوة طال انتظارها لإعادة الاستقرار لأسواق العملة بعد أسابيع من الاضطرابات، أعلنت مصر تحرير سعر صرف الجنيه ورفع أسعار الفائدة.وخفض البنك المركزي المصري سعر صرف الجنيه بنسبة 32.3% ليصل إلى سعر استرشادي مبدئي عند 13 جنيها للدولار مقارنة مع ربط العملة عند مستوى 8.8 جنيهات للدولار منذ مارس. وقد تعرض الجنيه لضغوط نزولية عنيفة في الشهور الأخيرة جراء شح المعروض من الدولارات مع نضوب موارد البلاد من العملة الصعبة في ظل ابتعاد السياح والمستثمرين الأجانب منذ انتفاضة 2011. وتسارعت وتيرة هبوط الجنيه أمام الدولار في السوق السوداء حتى وصل إلى 18 جنيها للدولار هذا الأسبوع مما دفع المستوردين للتوقف عن شراء العملة الأميركية قبل ان يتحسن السعر الليلة الماضية مما أتاح فرصة ثمينة أمام البنك المركزي لتعويم الجنيه.وفي إعلان فاجأ الأسواق خلال الساعات الأولى من الاعلان ذهب فيه البنك المركزي أبعد مما توقع المصرفيون ليحرر سعر صرف الجنيه بالكامل.وقال المركزي المصري في بيان أصدره «قرارات تحریر أسعار الصرف تستهدف استعادة تداول النقد الأجنبي داخل القطاع المصرفي وبالتالي إنهاء حالة الاضطراب في أسواق العملة بما یعكس قوى العرض والطلب الحقیقیة استهدافا لاستقرار أسعار الصرف واستقرار الأسواق». ومع وصول عجز الموازنة إلى 12% في 2015-2016 وتفاقم التشوهات في أسواق العملة، اتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي في أغسطس على الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار على 3 سنوات لدعم برنامج إصلاح اقتصادي.وفي إطار هذه الإصلاحات كان من المتوقع على نطاق واسع ان تخفض مصر سعر الجنيه وتتبنى آلية أكثر مرونة لسعر الصرف وهي خطوة يقول اقتصاديون إنها ستؤدي إلى اجتذاب استثمارات أجنبية بمليارات الدولارات.أهذ وقداجمع خبراء ومديري شركات صرافة تعمل بالسوق المحلي والعالمي على أن خطوة البنك المركزي المصري نحو تعويم الجنيه جيدة رغم تأخرها. ونصح الخبراء المقيمين في الكويت بضرورة التمسك بالدينار وإجراء التحويلات من خلال تلك العملة والابتعاد عن المضاربات الدولارية.. والواقع ان خطوة التعويم على تقليص الفجوة بين سعر السوق وفق الآلية الجديدة وبين سعر السوق السوداء.وعلى ضرورة ان يقوم المركزي المصري بمراقبة سعر الصرف بشكل مستمر، والتدخل للتأثير عليه حتى يضمن تحقيق مصالح الاقتصاد المصري ومنع المضاربين في سوق العملات من التلاعب به مرة أخرى خاصة وان أكبر البنوك المركزية تراقب أسعار عملاتها وبالرغم من انها تعلن عدم تدخلها بسعر الصرف إلا أن سياساتها النقدية تؤثر على سعر الصرف لتحقيق مصالحها. وأشار إلى ان البنك المركزي الياباني حذر من ارتفاع الين في مرات عدة خلال السنوات الـ 5 الماضية والبنك الوطني السويسري (المركزي) أيضا حدد سعرا لصرف اليورو مقابل الفرنك ليضمن عدم ارتفاع الفرنك في فترات سابقة. وتوقع حافظ خلال حديثه لـ«الأنباء» حدوث تقلبات لسعر صرف الجنيه إلى أن يستقر السوق. ويلاحظ تكبد تجار العملة والمضاربين على الدولار بمصر خسائر حادة وعنيفة خلال الساعات القليلة الماضية، بعدما هوى سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى مستويات تتراوح بين 11.5 و11.7 جنيه في تعاملات متأخرة من مساء أمس الاول الأربعاء، وذلك قبل أن يتخذ المركزي المصري قرارا جريئا بتحرير كامل لسعر صرف الجنيه. وخلال ساعات هوى سعر صرف الدولار في السوق السوداء من 18.5 جنيها في تعاملات الاثنين الماضي لتسجل نحو 11.5 جنيها في تعاملات أمس فاقدا نحو 7 جنيهات من قوته بنسبة خسائر تقدر بنحو 37.83%. وقال تاجر طلب عدم ذكر اسمه إنه اشترى نحو 400 ألف دولار من السوق السوداء يوم الاثنين الماضي بسعر 17.20 جنيها وباعها أمس بسعر 12.25 جنيها خاسرا نحو 5 جنيهات في كل دولار لتصل إجمالي خسائره في يومين إلى أكثر من 2 مليون جنيه. والسؤال ماذا يعني «تحرير الجنيه المصري»؟ «التعويم» أداة من أدوات السياسة النقدية للدول، تستخدم فقط مع العملات التي تحدد الحكومات قيمتها، ولا تكون متروكة لعوامل أخرى. ويختلف التعويم عن «انخفاض قيمة العملة»، الذي تحدده السوق المفتوحة على أساس العرض والطلب. والتعويم عكس الربط، فالعملات المربوطة مقابل عملة رئيسية أو سلة عملات يتم تعويمها من خلال «فك» الربط جزئيا أو كليا.أما انخفاض قيمة العملة فعكسه ارتفاع قيمتها، كما يحدث للعملات الرئيسية في الأسواق الحرة مثل الدولار الأميركي أو اليورو أو غيرها. إذ ترتفع قيمة تلك العملات أو تنخفض في السوق حسب العرض والطلب، وقوة أساسيات الاقتصادات التي تمثلها، وتصرفات المضاربين في أسواق العملات. وما تأثير التعويم على السوق؟من شأن تعويم الجنيه المصري أن يقلل الضغط على البنك المركزي فيما يتعلق بحجم احتياطيات العملة الأجنبية فيه، لكن هذا العامل في الاقتصاد الكلي ليس مهما كثيرا، وإنما الأهم أن انخفاض قيمة العملة الوطنية نتيجة التعويم سيؤدي إلى زيادة الصادرات، فالمنتجات المصرية ستصبح أرخص كثيرا في الأسواق الخارجية (لأن الجنيه المصري انخفضت قيمته كثيرا مقابل الدولار واليورو وغيرهما) ومن ثم تصبح أكثر تنافسية. وفي المقابل ستصبح الواردات أغلى كثيرا، ومن ثم سيصعب على المصريين شراء الكثير من السلع المستوردة لارتفاع أسعارها بشدة وهذا بالتالي سيزيد من استهلاك السلع المحلية، ويزيد من النشاط الاقتصادي الداخلي.