د. محمد طالب عبيدات
لقد انطلقت رؤية وخريطة الطريق الاصلاحية الملكية من ضرورة تلازم وتكاملية النهج الاصلاحي السياسي والاقتصادي. وما لقاءات جلالته السياسية والإقتصادية والشبابية والشعبية مع كل الأطياف والمواطنين والمسؤولين إلّا لتصبّ في هذه البوتقة للوصول الى قوانين عصرية ناظمة للحياة الاقتصادية والسياسية وغيرهما، وبالطبع فإن ضرورة مواجهة التحديات الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الأردن يتطلّب ضرورة تضافر الجهود من قبل الجميع.
فلقد غرق الجميع -حكومة وأذرع تشريع ومواطنين- وخصوصاً الحراكات الشعبية المطالبة بالاصلاح؛ غرقوا في بوتقة الاصلاحات السياسية وتناسوا حزم الاجراءات الاقتصادية التي أحوج ما نكون لها في هذه الظروف لغايات ايجاد فرص العمل وتشجيع الاستثمار المحلي وجلب الاستثمارات الأقليمية والأجنبية للمساهمة في القضاء على معضلتي الفقر والبطالة والتخفيف من معاناة الظروف الاقتصادية الصعبة.
وكان جلالة الملك أكّد في كُتب التكليف السامي للحكومات المتعاقبة ضرورة التصدي للتحديات الاقتصادية لغايات التخفيف عن المواطنين من ثقل المسؤولية من خلال بلورة سياسات اقتصادية وتنموية تهتم بالمواطن كأساس للتنمية والرخاء، واخراج القوانين الناظمة للتنمية الاقتصادية لحيز الوجود كقوانين تشجيع الاستثمار والشراكة بين القطاعين العام والخاص والصكوك الاسلامية وغيرها.
والمهم هنا أن تضع الحكومة برامج على النار وبسرعة لأن الخطط والسياسات والاستراتيجيات والبرامج الاقتصادية تحتاج الى ما لا يقل عن ثلاث الى خمس سنوات لتؤتي أكلها، والمطلوب الآن وبسرعة تحقيق مستوى معيشي كريم للمواطن من خلال العودة لبرامج الشراكة مع القطاع الخاص لتوظيف الأردنيين قبل غيرهم في سوق العمل وعدم الاعتماد فقط على مؤسسات القطاع العام التي أرهقت موازنة الدولة، والمطلوب أيضاً حماية المواطنين من اطّراد الأسعار وجشع بعض التجّار، والمطلوب أيضاً بلورة قانون حماية المستهلك واخراجه لحيّز الوجود، والبدء الفعلي بالعمل بصندوق تنمية المحافظات وتوزيع مكتسبات التنمية بكل عدالة للوصول للتّمكين الاقتصادي، والمضي قدماً في محاربة كل قضايا الفساد، وضرورة ايصال الدعم الحكومي لمستحقيه من المواطنين لا للأغنياء ولا لغير الأردنيين لغايات التخفيف عن الموازنة العامة للدولة، وخصوصاً في ظل الحديث عن قضية التعويض ورفع الدعم عن المشتقات النفطيّة في هذه الأيام.
وحيث أن ما يربو عن ستين بالمائة من الدعم الذي تقدّمه خزينة الدولة يذهب لغير مستحقية، فهذا يؤشر على ضرورة ايجاد الآليات المناسبة لتوزيع هذا الدعم لمستحقّيه للمساهمة في تعظيم الدعم للمواطنين من الفئة المستهدفة، ولقد لوّحت حكومات عدّة بايجاد هذه الآليات من خلال استخدام البطاقة الذكية وغيرها ولكن هذه الأليات ما زالت تراوح مكانها. وربّما يكون الدعم المباشر هو الأنسب إن لم تتوفر البطاقة الذكية، لكن محور الحديث ينصبّ على مقدار الدعم وإن كان سيتكفّل بما سيتم رفعه من دعم حكومي!