د.رحيل محمد غرايبة
هناك فكرة تلح على ذهني في كل صيف من كل عام، وأجد أنها تستحق المناقشة من كل أصحاب الاهتمام وذوي العلاقة، وربما تكون الفكرة صادمة لبعض الشرائح في ظل طغيان ثقافة المظاهر التي اكتسحت مجتمعاتنا العربية بطريقة جنونية، تفوق الحدود العادية بالتعامل الجماعي مع مسألة الاحتفالات والمواكب ومظاهر الترف المبالغ بها والتي لا تتناسب مع أوضاعنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. الاقتراح يتلخص باتخاذ قرارات حاسمة بإلغاء احتفالات التخرج سواء على مستوى الجامعات، أو على مستوى المدارس والكليات، والاستعاضة عنها ببدائل أخرى تفي بالغرض وتكون أقل كلفة على المؤسسات وعلى الأهالي وعلى المجتمع وعلى الدولة كلها بكل أجزائها، إذ ينبغي التفكير بالكلفة الباهظة على مستويات كثيرة وعديدة، ابتداءً من الجهد المبذول من رئاسة الجامعة وإدارتها والعمادات واللجان وأعضائها، الذي يهدر في مسائل روتينية مكروره لا تقدم شيئاً ملموساً ولا مردوداً نافعاً على صعيد العملية الأكاديمية والدراسية والمنهجية. وعلى صعيد هدر الوقت يمكن القول إن الأوقات الزمنية التي يتم هدرها من الأساتذة والطلاب وأولياء الأمور بالإضافة إلى الجهات التي تشترك في إخراج هذه العملية الشاقة والتي لا عد لها ولا حصر، لا تقدر بثمن، ويمكن صرف هذه الأوقات في أمور إيجابية نافعة ترتد على الطلاب والأساتذة فيما هو أثمن وأنفع. هناك خسائر كثيرة يتم رصدها في الاحتفالات الكثيرة في كل عام تتجلى في سقوط بعض أعضاء هيئة التدريس الذين كسرت أرجلهم أو أيديهم وتم إدخالهم إلى المستشفيات، أثناء سيرهم في المواكب والصفوف من على المدرجات وساحات التخرج، وهناك خسائر أيضاً يتعرض لها الطلاب وذووهم، فضلاً عن النفقات التي تدفع من كل هذه الجهات من أجل الاستمتاع بمشاهدة الاحتفال لمدة دقائق عندما يخرج الطالب ليصافح المسؤول. على صعيد آخر يمكن ملاحظة أزمات السير والاختناقات المرورية التي تتم في مساء كل يوم من أيام التخريج التي تضيف إلى الأزمات الدائمة والموجودة زخماً وحدة وحوداث مرورية وشتائم ونزاعات لا حدود لها، والتي تحول لحظات الفرح إلى ساعات حزن وضيق تحدث أثرها في النفوس إلى وقت طويل يصعب شفاؤه. نحن جميعاً نستشعر لحظات الفرح بأفواج الخريجين، وحصول فلذات الأكباد على شهاداتهم التي تؤهلهم لخدمة أوطانهم وأمتهم، لكن هذه الاحتفالات أصبح ضررها أكبر من نفعها، وأصبحت كلفتها باهظة الثمن وفوق قدرتنا على التحمل، فلماذا لا يتم التفكير بوسائل إبداعية أخرى أقل كلفة وأقل ضرراً على الناس والمجتمع؟ ولماذا لا يعمد كل خريج إلى دعوة أو سهرة بسيطة في بيته على حبة حلوى تقتصر على الأهل والأصدقاء بلا بهرجة وبلا كلفة، ويمكن تصوير هذه الحفلة البسيطة ونشرها على صفحات التواصل الاجتماعي، وكفى الله المؤمنين القتال؟ المشكلة أن عدوى الاحتفالات انتشرت مثل النار بالهشيم فهناك حفلة لانتقال الطالب من صف إلى صف في كل عام، واحتفال للروضة والحضانة، ويتم دفع ثمن الفساتين والأرواب والماكياج والتصوير والصوتيات والحلوى والمواكب، ولا يقتصر الاحتفال على الجامعة بل تأتي المواكب إلى المنازل والأحياء ويتم إغلاق الطرق وإثارة الإزعاجات وجلب الضيق إلى كل أهالي الحي. في الحقيقية نحن أمام أزمة نفسية بالدرجة الأولى، تستحق الدراسة والبحث والعلاج، ونحن أمام أزمة ثقافية وافدة لم تكن مجتمعاتنا تعرفها، تحتاج إلى وقفة ومواجهة بالتعاون بين كل الجبهات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وتحتاج إلى قرارات حاسمة من رؤساء الجامعات ومجالس العمداء إلى التخفيف عن المجتمع من هذه السلوكيات المظهرية والمكلفة.