د.رحيل محمد غرايبة
النكبات التي أصابت العرب منذ أوائل القرن المنصرم وبدايات القرن الحاضر كثيرة وذات ألوان وأشكال عديدة ومتنوعة، وما زالت النكبات في توالٍ، ولكن النكبة الفلسطينية سوف تبقى من الحجم والأثر ما يحمل بعض التمييز، ولها مذاق مر يشبه العلقم. أول نكباتنا الحديثة كانت في أواخر عهود «الدولة العثمانية»، عندما أصبحت تسمى «بالرجل المريض»، وكانت الدول والممالك الأوروبية الاستعمارية الناهضة تخطط وتسعى للاستيلاء على تركة الرجل المريض وثروته الهائلة الممتدة على رقعة واسعة من الكرة الأرضية، وكانت معالم نكبة العرب في ذلك الوقت تتمثل بتفشي الجهل والأمية والتخلف والفقر المدقع، وتفرق أمة العرب وضياع رجالها في أتون الحرب العالمية، مما جعل بلادهم ومقدراتهم نهباً للأمم واللصوص وقطاع الطرق. نكبة التخلف والأمية والضعف والفرقة هي قاعدة النكبات الأخرى المتوالية التي أصابت الأمة، ومن بينها ما أحدثته بريطانيا بمساعدة الدول الكبرى على زرع الكيان الصهيوني الاحتلالي الاستيطاني الإحلالي في فلسطين، وأصبحت نكبة فلسطين مساراً لعدد من النكبات الأخرى المنبثقة منها، لأن رعاية هذا الكيان وتهيئة البيئة المناسبة لنجاحه وحمايته، يتطلب إضعاف الدول العربية جميعها، وخاصة الدول المحيطة بالكيان على وجه التخصيص، ولذلك كان واضحاً منذ بدايات تأسيس هذا الكيان : العمل على فصل مصر عن الشام، والحيلولة دون تشكيل جبهة موّحدة، بكل الوسائل السبل المتاحة على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو العسكري والأمني. ومن مقتضيات حفظ هذا الكيان ورعايته إيجاد الأنظمة السياسية العربية القادرة على التكيف معه في المستقبل، والقادرة على لجم شعوبها عن النهوض والتقدم في مختلف المسارات، وعلى رأسها حرمان الشعوب العربية من حق تقرير مصيرها في إيجاد أنظمة ديمقراطية منتخبة، بالإضافة إلى حرمانها من الاستقلال الاقتصادي من أجل ضمان تبعيتها. عندما أصبح الكيان قوة إقليمية في المنطقة، تمادى في تنفيذ مخططاته التي تهدف إلى استمرار الضعف العربي بالتعاون مع القوى الراعية، ولذلك عمد أولاً إلى تحييد مصر وجيشها عن طريق معاهدة كامب ديفد، ثم كانت النكبة العراقية ثم تلتها النكبة السورية ونكبات عربية أخرى، أدت إلى تشريد الشعوب العربية إلى منافي العالم، وأصبح العرب يشكلون أكبر نسبة من اللاجئين على مستوى العالم. النكبة الحقيقية التي أصابتنا تتمثل بتدمير بنية الإنسان العربي ولم تستطع الأنظمة والدول العربية أن تعيد بناء إنسانها، ولم تستطع المدارس والجامعات والمناهج أن تضع الإنسان العربي على طريق النهوض الصحيح، لأن العجز الجمعي عن إنجاز هذه المهمة سوف يجعلنا عرضة لمسلسل من الهزائم والنكبات المتوالية كما نشاهد ونحس ونلمس ونعيش، ولن يتوقف سيل النكبات والهزائم إلّا بعد أن ندرك حقيقة جذر المشكلة، وأن ندرك العلاج ونشرع بتنفيذه. مرت (68) سنة على نكبة العرب في فلسطين، ويبدو أن هذا الرقم سوف يبقى في ازدياد، ما زالت معالم التدمير النفسي تظهر في طريقة التعامل مع الواقع السياسي والاقتصادي والتربوي والبحث العلمي، وما زلنا عاجزين عن الاعتراف بحقيقة الأزمة وعاجزين عن فهمها بشكل جماعي.