الشاهد -
قام والدي الحاج محمد علي بدير بتأسيس شركة الكهرباء الاردنية فأنيرت عمان بالكهرباء بعد ان كانت تعيش في ظلام دامس
كان يقال لكل شخص يأتي لعمان من فلسطين (نابلسي).
كان تجار عمان لا يسمحوا بأن يتعرض احدهم للافلاس .. فاذا افلس هذا التاجر كانوا يجمعون له (لمة) كي ينهض من جديد؟!
عندما انفجر لغم ابو شام في جبل عمان احدث ذلك دويا هائلا وتطايرت الحجارة الى مسافات بعيدة ولمرات عديدة
كان محلنا بشارع الملك فيصل يتعرض للدمار بسبب تدفق الماء عندما يفيض سيل عمان في الشتاء .
»ايام زمان« كان بعمان شخص يدعى (السقا) وكان يقوم بتوزيع الماء على المنازل بواسطة الحمير مقابل اجر.
كان معظم الناس بعمان طبقة واحدة .. وكان الغني والفقير يعيشون حياة بسيطة.
في الاربعينيات درست في مدرسة (الجريديني) وهي روضة في شارع منكو بجبل عمان وقد كان يدرس معنا الملك الراحل جلالة الملك الحسين بن طلال.
والدي الحاج محمد علي بدير كان رئيسا لاتحاد الغرف التجارية الاردنية لاكثر من ثلاثين عاما ونائبا وعينا وعضوا في المجلس الوطني الاستشاري.
في اوائل الخمسينيات من القرن الماضيشهدت عمان والاردن (فورة اقتصادية) قوية بعد ان اصبح المهاجرون الفلسطينيون يستثمرون اموالهم في البيوت والشركات والمصانع.
مشكلة مكافحة الفسد هي المشكلة الرئيسية عندنا (الان).
إن ازمة السير في عمان هي ليست اسوأ من مثيلاتها في العواصم العربية والعالمية.
اعداد عمر العرموطي
السيرة الذاتية:
عثمان محمد علي عثمان بدير مواليد عمان عام 1938م درست في مدرسة (الجريديني) في جبل عمان وهي روضة كانت تقع في شارع منكو وقد كان يدرس في نفس المدرسة الملك الراحل جلالة الملك الحسين بن طلال (طيب الله ثراه). وكان يملك هذه الروضة اليس ومارغريت الجريديني وكانت هي الروضة الوحيدة في منطقة جبل عمان وهي تتكون من رياض الاطفال حتى الصف الاول الابتدائي، اتذكر من زملاء المدرسة في مدرسة الجريديني: هند منكو، انس ماضي واخوانه، سمو الامير زيد بن شاكر، وعدد من ابناء آل المعشر، وغيرهم. واتذكر من اساتذتها المشهورين (نهلة القدسي) زوجة الفنان الراحل محمد عبدالوهاب. اعتقد بأن هذه المدرسة قد اغلقت في الاربعينيات من القرن الماضي وكانت مدرسة هامة في عمان القديمة لان عددا من اهم رجالات عمان درسوا فيها. وبعد مدرسة الجريديني ذهبت الى القدس الى مدرسة التراسنطة وكنت بالقسم الداخلي درست هناك حتى الصف الثالث الابتدائي، ثم عدت الى عمان والتحقت بمدرسة الكلية العلمية الاسلامية. اتذكر من زملاء الدراسة: الملك الحسين بن طلال (طيب الله ثراه)، زياد منكو، الدكتور زيد الكيلاني، ماهر العنبتاوي، حسني السعودي، طلال مثقال الفايز، وغيرهم. وقد تخرجت من مدرسة الكلية الاسلامية عام 1958م. ثم ذهبت الى العاصمة البريطانية لندن حيث درست فيها اللغة الانجليزية لمدة سنة واحدة، وبعد ذلك سافرت الى الولايات المتحدة الامريكية وقد حصلت على شهادة البكالوريوس (ادارة صناعية وهندسة مدنية) من جامعة تنسي في ولاية تنسي فتخرجت منها عام 1964م ثم درست الهندسة فحصلت على شهادة الهندسة المدنية عام 1966م اتذكر من زملائي في هذه الجامعة:: دولة المهندس علي ابو الراغب، وعدد من ابناء عائلة خلف وهم اصحاب مكتبة الاستقلال بعمان، وابراهيم ابو الراغب. عدت الى عمان وبدأت العمل بشركة التنقيب عن المعادن حيث كان مديرها (آنذاك) عمي محمود بدير وعملت كنائب له في الشركة وبعد ذلك قمت بالاشتراك مع اخواني عصام وعمر بدير بتأسيس شركة مقاولات تحت اسم الشركة العربية الفنية للمقاولات وكان من ضمن المشاريع التي قمنا بتنفيذها كلية الاقتصاد بالجامعة الاردنية، والمرحلة الثانية من مصنع الشركة العربية لصناعة الادوية بالسلط، وفيما بعد عندما توقف العمل (تقريبا) بالمقاولات في الاردن بسبب حرب حزيران عام 1967م ذهبت الى العاصمة الليبية طرابلس حيث قمت بتأسيس شركة تجارية لمواد البناء والمواد الغذائية بالاشتراك مع شركة C.C.C (حسيب الصباغ). وفي سنة 1978م تم تأميم شركتنا في عهد الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي فعدت الى عمان بهذه السنة فعملت كمدير لشركة التنقيب عن المعادن وبعد ذلك قمت بتأسيس شركة لمواد البناء مع اشخاص سعوديين في مدينة الرياض وصرت اذهب الى الرياض باستمرار. في سنة 1994م ترشحت لانتخابات مجلس ادارة غرفة صناعة عمان وقد فزت بمنصب نائب رئيس الغرفة. وفي سنة 1998م ترشحت ضمن كتلة من اجل رئاسة غرفة صناعة عمان وقد نجحنا والحمد لله واصبحت رئيسا لغرفة الصناعة، وقد استمريت في العمل بالاعمال الحرة حتى الان. و»الان« انا رئيس اتحاد شركات التأمين الاردنية، ونائب رئيس اتحاد شركات التأمين العربية وكذلك انا رئيس لنادي الفيحاء، وعضو في جمعية الفيحاء، ونائب رئيس صندوق الملكة علياء للعمل الاجتماعي التطوعي. كما انني عضو في عدة جمعيات خيرية منها جمعية الثقافة الاسلامية ورئيس صندوق مساعدة الطالب الفقير فيها. علما بانني عضو مجلس ادارة في عدة شركات.
منزل العائلة القديم في عمان
اتذكر منزل عائلتنا القديم في جبل عمان مقابل منزل الامير شاكر بن زيد الذي كان يقع على شارع هو امتداد لشارع الرينبو وقد سكنا هذا المنزل منذ عام 1937م حيث بناه المرحوم والدي الحاج محمد علي بدير (ابو عصام) واتذكر من جيراننا (آنذاك) الامير شاكر بن زيد، وعائلة الصفدي، ودار ملحس، وبالقرب منا كان منزل جلالة الملك طلال، ومنزل دولة سعيد باشا المفتي، ومنزل صدقي القاسم (محافظ العاصمة)، ومنزل اسماعيل باشا البلبيسي، ومنزل كلوب باشا، وآل منكو، وآل عصفور، وفيما بعد اصبح دولة بهجت التلهوني بجوارنا بالقرب من الدوار الاول، وكذلك دار ابو شام بجانب نادي الملك حسين.
انفجار لغم ابو شام:
وبهذا الصدد فانني اتذكر حدثا هاما في عمان القديمة وهو انفجار لغم ابو شام، وعندما حدث هذا الانفجار نتج عنه دوي وصوت هائل ولاول مرة يحدث ذلك بتاريخ عمان، وتطايرت الحجارة نتيجة لذلك وقد وصلت هذه الحجارة الى مسافات بعيدة!! وقد سمعت بأنه بجانب منزل ابو شام على الدوار الاول كان هناك مخزن للبارود لأن ابو شام كان يملك شركة للسلاح والذخيرة، واتضح بانه حدث خطأ بالتخزين فقد وصلت شرارة الى مكان تخزين البارود، وتسبب انفجار لغم ابو شام بخسائر كبيرة للمجاورين وقد وصلت الحجارة التي تناثرت على اثر الانفجار الى اماكن بعيدة وارتطمت بزجاج البنايات وبعد ان سمعت صوت الانفجار الهائل ذهبت لمشاهدة موقع الانفجار الذي كان قريبا من منزلنا، وبالنسبة لتاريخ مدينة عمان كان هذا الانفجار حادثة غريبة عجيبة وكان الناس بعد حدوث الانفجار مذهولين وفي حالة ذعر وهلع.
عمان ايام زمان
انا عماني ومن مواليد عمان عندما كانت قرية واتذكر المناطق القديمة فيها، كان معظم سكانها من الشراكسة والشوام والنوابلسة والطفايلة والمعانية عبارة عن خليط، لكن كانت النسبة الكبيرة من السكان من الشركس والشوام، وكان يقال لكل واحد يأتي الى عمان من فلسطين (نابلسي). عندما جاء (جدي) المرحوم عثمان بدير الى عمان عام 1893م كان معظم اهل عمان يعرفون بعضهم، كان العمانيون لا سيما في الجوامع يسألون ويتفقدون بعضهم البعض في حال غياب اي منهم فاذا غاب (فلان) من الناس يستفسرون عن صحته ويتساءلون: لماذا لم يأت للجامع؟ وكان الفقراء يأتون للجوامع فيجدون من يساعدهم وكان تجار عمان لا يسمحون لاي منهم بأن يتعرض للافلاس؟! فاذا افلس احدهم او اوشك على الافلاس كانوا ينتخون له ويجمعوا له (لمة) فيشاركون في دفع المال له لدعمه ومؤازرته كي ينهض من جديد وحتى لا يتعرض للافلاس وهذا الامر للاسف غير موجود (الان)؟ وكان العمانيون دائما في هذه الجمعيات والجوامع يقدمون ما يطلب منهم من اجل دعم المشاريع الخيرية والفقراء رغم انهم لم يكونوا بالثراء الحالي. »ايام زمان« كان بعمان بعض النوادي مثل نادي الجزيرة وكان هذا النادي قريبا من بيتنا في جبل عمان فاذهب اليه كي العب تنس الطاولة، واذا اردنا ان نلعب كرة القدم كنا نذهب الى الملعب الوحيد الذي كان يقع خلف مدرسة الكلية العلمية الاسلامية علما بان الملعب الرسمي الوحيد بعمان كان في منطقة المحطة، وبعد ذلك صار ملعب اخر في الكلية العلمية الاسلامية بجبل عمان. اتذكر محلنا الذي كان يقع على سيل عمان (شركة مواد البناء الاردنية) مقابل المدرج الروماني بجانب مكتبة امانة عمان (الان). كان سيل عمان (ايام زمان) اشبه بنهر اثناء فصل الشتاء، وعدة مرات كان محلنا بشارع فيصل يتعرض للدمار بسبب تدفق المياه عندما يفيض الماء من السيل في الشتاء، وكان الناس يقطعون الشارع الذي تغطيه المياه بواسطة الحمالين مقابل اجر بسيط، وكان يتم توزيع الماء على المنازل بواسطة الحمير حيث يقوم شخص يعرف باسم (السقا) بتوزيع الماء مقابل اجر فكانت مهنة السقا احدى المهن المعروفة بعمان عندما لم يكن بالعاصمة مواسير مياه تصل الى المنازل فكان ذلك في البدايات. كان معظم الناس طبقة واحدة، وحتى الانسان الذي يملك المال لا نجد عنده بذخ واسراف كما هو الحال في ايامنا هذه، كل الناس كانوا يعيشون حياة بسيطة الفقير والغني (تقريبا) كانوا يعيشون نفس الحياة.
النكبة الفلسطينية عام 1948م واثرها على عمان
اتذكر عمان بعد حرب عام 1948م بين العرب واليهود عندما جاءت اعداد كبيرة من النازحين الفلسطينيين الى عمان بحثا عن الامان، فقد سكن قسم منهم في الكهوف والقسم الاخر سكن في مخيمات اقيمت خصيصا لايوائهم وقد استضاف (آنذاك) الكثير من اهل عمان اخوانهم القادمين من فلسطين في بيوتهم وتقاسموا معهم لقمة العيش، لذلك اصبح مجتمع عمان يعرف بمجتمع المهاجرين والانصار.
المرحوم الحاج محمد علي بدير
والدي الحاج محمد علي بدير (رحمه الله) اهتم كثيرا بالاقتصاد الاردني وفي الجمعيات الخيرية لمساعدة اهل عمان والاردن في مختلف المجالات، وكان يهتم كثيرا بالتعليم ومساعدة الطلبة المحتاجين لاتمام تعليمهم داخل الاردن وخارجه، وكان داعما رئيسيا للجامعة الاردنية والجامعات الاخرى، وقد انشأ مدرجا في الجامعة الاردنية لا يزال قائما حتى الان (مدرج محمد علي بدير) وكذلك قام بدعم مشروع بناء مسجد الجامعة الاردنية. وكان ايضا من داعمي مدرسة الكلية العلمية الاسلامية بعمان ممثلة بجمعية الثقافة الاسلامية حيث كان رحمه الله رئيسا لمجلس ادارتها لفترة طويلة جدا، وكذلك كان رئيسا لاتحاد الغرف التجارية الاردنية لاكثر من ثلاثين عاما. ونظرا لان محمد علي بدير درس في جامعة في بيروت فقد تكوت لديه افكار جيدة اكتسبها اثناء وجوده في العاصمة اللبنانية عندما كان يدرس فيها وفي البلاد العربية بشكل عام. فقد لاحظ والدي بأن عمان لا يوجد بها شركة للكهرباء وتعيش في ظلام دامس وتعتمد في انارتها اثناء الليل على الفوانيس في بعض شوارعها لذلك فكر في تأسيس شركة لانارة عمان بالاشتراك مع مجموعة من التجار ولم يخطر بباله في تلك الاثناء الربح المادي بل انه فكر في خدمة المواطنين والشركات الموجودة بعمان، لذلك اتفق مع مطحنتين كان لديهما مولدات كهرباء صغيرة على ان يشتري منهما الكهرباء اثناء الليل وبأن يستمروا في استعمال الكهرباء خلال فترة النهار لاغراض طحن الحبوب، وقد قام (رحمه الله) بتمديد خطوط الكهرباء للمناطق المجاورة لهاتين المطحنتين وحصل على رخصة من بلدية عمان (آنذاك) من اجل توزيع الكهرباء على ان يتم تجديدها سنويا وكان اسم هذه الشركة شركة محمد علي بدير وشركاه (شركة الكهرباء الاردنية) وبعد ذلك تم شراء ارض في منطقة راس العين وبدأت الشركة باستيراد وشراء الماتورات لتوليد الكهرباء لان الطلب على الكهرباء اصبح كبيرا ولا يمكن الاعتماد فقط على الماتورات الصغيرة التابعة للمطحنتين، فكانت الشركة تقوم بشراء مولدات حسب الحاجة والطلب المتزايد وقد اشتروا عددا من المولدات من مصر ومن المشاريع الموجودة في العالم العربي وقد دخل شركاء جدد في هذه الشركة لانها اصبحت بحاجة الى رأسمال في البداية مقداره (5000) جنيه فلسطيني. ان هذه النقلة الهامة من الظلام الدامس الى النور والكهرباء كان لها فضل كبير في اقامة مشاريع صناعية صغيرة مثل المناجر والمحادد ومصانع لم يكن بالامكان اقامتها لولا وصول الكهرباء لعمان فبدون الكهرباء لا يمكن اقامة المشاريع الصناعية الضرورية لنمو اي بلد في العالم، لذلك فان توليد الكهرباء بعمان كان نقلة نوعية هامة مكنتنا من اقامة هذه المشاريع الصناعية الصغيرة التي ساهمت في بناء الاردن لانه بدون الكهرباء لا يستطيع المهني أن يقوم بعمله على الوجه الاكمل. ولقد ساعد توليد الكهرباء على ازدهار ونمو عمان ولحاقها بركب المدنية، وكانت سببا رئيسيا في نمو عمان من ناحية صناعية. وقد قام المرحوم والدي بتأسيس عدة شركات كان لها اثر كبير في دفع الاقتصاد الاردني الى الامام اضافة الى تشغيل اعداد كبيرة من الموظفين والمستخدمين في هذه الشركات وكان من اهم هذه الشركات رئاسة والدي لمجلس ادارة شركة مناجم الفوسفات الاردنية لفترة طويلة من الزمن وكذلك كان نائبا لرئيس مجلس ادارة شركة مصفاة البترول بينما كان رئيس المجلس هو المرحوم عبدالمجيد شومان الذي كان يقوم بتخويل محمد علي بدير بالقيام بمساعدة المدير العام للمصفاة في كافة الامور نظرا لانشغال عبدالمجيد شومان في ادارة البنك العربي والشركات الاخرى التابعة له، فكان لوالدي دور كبير في تأسيس ونمو شركة مصفاة البترول وكذلك شركة مناجم الفوسفات الاردنية اضافة الى شركة الكهرباء الاردنية. وكان والدي يقوم بتوزيع وقته بين هذه الشركات والجمعيات الخيرية التي له علاقة بها وكذلك اتحاد الغرف التجارية الاردنية. كان والدي (رحمه الله) يؤمن بجدوى الشركات المساهمة العامة وبمشاركة الاخرين وبالمشاركة الجماعية في اقامة الشركات وكان يعتقد بان ذلك هو ظاهرة صحية في اي مجتمع من المجتمعات ولم يكن لديه شركة خاصة به. كان يؤمن بان (الجهد الجماعي) هو حس وطني رائع، لذلك فان رجالات الرعيل الاول في الاردن كان لديهم حب وانتماء وقد اسسوا وخدموا وافادوا البلد. وكان والدي (رحمه الله) احد وجوه عمان المعروفين كان مقربا من الملك المؤسس جلالة الملك عبدالله الاول ابن الحسين (طيب الله ثراه) وكذلك ارتبط بعلاقة حميمة مع الملك الباني الحسين بن طلال (رحمه الله) وكذلك كانت علاقته وثيقة مع سمو الامير الحسن بن طلال والمرحوم الامير شاكر بن زيد ونجله المرحوم الامير زيد بن شاكر علما بانه قد حصل النسب الكريم بعد زواج سيادة الشريف شاكر بن زيد من ابنة اخي عصام محمد علي بدير. المرحوم والدي كان احد المستشارين للعائلة الهاشمية المالكة بالنواحي الاقتصادية، وكان قريبا من العائلة الهاشمية وناصحا امينا لهم ولأنه كان رئيسا لاتحاد الغرف التجارية لفترة طويلة فقد اكسبه ذلك خبرة اقتصادية عظيمة. كان والدي مشاركا دائما في المشاريع الهامة التي تقام بالاردن ولم يبخل في يوم من الايام بدعم هذه المشاريع سواء من جيبه الخاص او بواسطة الشركات التي كان مساهما فيها بالاضافة الى اتحاد الغرف التجارية فكانت هذه المؤسسات تقدم التبرعات لدعم المشاريع الهامة مثل مدينة الحسين للشباب (المدينة الرياضية) وغيرها من المشاريع فكان هناك شراكة ايجابية بين القطاع العام والخاص اكثر من ايامنا هذه.
الدور الكبير الذي قامت به (جماعة الثلاثاء) بعمان
ان هذا الموضوع هو موضوع هام جدا بتاريخ الاقتصاد الاردني انا برأيي ان اهم تجمع اقتصادي في الاردن على الاطلاق هم: (جماعة الثلاثاء) الذين كانوا يجتمعون في كل يوم ثلاثاء على مأدبة عشاءمساء كل يوم ثلاثاء عند احد افراد هذا التكتل وهم: -1 ياسين التلهوني -2 محمد علي بدير -3 عبدالرحمن ابو حسان -4 محمد ماضي -5 جودت شعشاعة -6 فريد السعد -7 ابراهيم منكو -8 توفيق قطان وهذا التكتل كان يمثل معظم التجار الذين لديهم امكانيات اقتصادية كبيرة في عمان، ومن خلال هذا التكتل واجتماع الثلاثاء تم تأسيس معظم الشركات الهامة في الاردن (آنذاك) مثل: -1 شركة الكهرباء الاردنية -2 شركة التأمين الاردنية -3 شركة مناجم الفوسفات الاردنية -4 شركة التنقيب عن المعادن -5 شركة الدخان والسجائر -6 شركة مصفاة البترول -7 شركة الانابيب الاردنية -8 اضافة الى معظم الشركات الكبرى المساهمة العامة وكان اعضاء هذا التكتل يجتمعون في كل يوم ثلاثاء ويتداولون في الشؤون الاقتصادية وقد تمخض عن هذه الاجتماعات تأسيس عدد من الشركات المساهمة العامة الهامة التي كان لها اثر كبير في نمو الاقتصاد الاردني ولا زالت هذه الشركات داعمة للاقتصاد الوطني.
مشاركة الحاج محمد علي بدير في البرلمانات الاردنية
انتخب المرحوم والدي نائبا عن منطقة العاصمة عمان في اواسط الخمسينيات من القرن الماضي وقد تم حل هذا المجلس النيابي بعد استقالة حكومة سليمان النابلسي رئيس الوزراء (آنذاك) كما تم تعيين والدي عضوا في مجلس الاعيان لمدة طويلة وكذلك عضوا في المجلس الوطني الاستشاري منذ انشائه وحتى نهايته.
التحولات الاقتصادية التي شهدتها العاصمة عمان
لقد كان هناك تأثير كبير على نمو وتوسع العاصمة عمان بعد قدوم اعداد كبيرة من المهاجرين الفلسطينيين بعد نزوحهم من ديارهم قسرا، فعلى سبيل المثال شركة الكهرباء الاردنية اجبرت على زيادة رأسمالها بشكل سريع من اجل استيعاب الطلب الهائل على الكهرباء الذي حدث بعد النكبة الفلسطينية عام 1948م. وكذلك الحال بالنسبة لشركات البناء وشركات المواد الغذائية فقد توسعت كثيرا خلال هذه الفترة من اجل استيعاب الطلب المتزايد على المساكن لايواء هؤلاء المهاجرين، وشهدنا (فورة اقتصادية) قويةجدا في اوائل الخمسينيات من القرن الماضي بعد ان اقتنع المهاجرون بان العودة الى فلسطين غير واردة في الوقت الحالي!! وصار هؤلاء المهاجرين يستثمرون اموالهم في بيوت وشركات ومصانع في عمان والمناطق التي حولها. وقد ادت هذه التحولات الاقتصادية الى افراز مجموعة جديدة من الاغنياء والتجار والصناعيين والمهتمين وازدهرت ونمت وتوسعت عمان وبدأت تشق طريقها فاصبحت من اهم عواصم العالم العربي اقتصاديا وسياسيا.
اسلوب (الكوتا) الذي اتبعه الانجليز مع تجار عمان (القدامى)
قد يتساءل المرء ويقول كيف ازدهرت وتحركت الحالة الاقتصادية في عمان منذ بدايات القرن الماضي؟ للاجابة على هذا التساؤل اقول بأن الانجليز ارادوا مساعدة الاردن من اجل ان يصبح بلدا قادرا على الوقوف على قدميه عام 1921م عند بداية تأسيس الامارة لذلك وجدوا ان افضل طريقة لتحريك الحالة الاقتصادية هي مساعدة تجار عمان (القدامى) على استيراد البضائع المطلوبة من فلسطين وسوريا والعراق وبشكل خاص فلسطين لذلك ابتكر الانجليز فكرة (الكوتا) فكانوا يمنحون رخصة لتجار عمان من اجل فتح اعتمادات واستيراد البضائع المطلوبة بالعملة الصعبة، وهذه الكوتا كان يتم توزيعها من خلال الانجليز على التجار حسب قدرتهم المالية ومن خلال نشاطهم وعلاقتهم بالانجليز وقد استمر العمل باسلوب الكوتا منذ عام 1921ـم حتى الحرب العالمية الثانية، وقد ادى ذلك الى ظهور عدد من التجار الاغنياء فساعدهم هذا الوضع الى الاستثمار في الاردن وبناء اقتصاد قوي لمساعدة الاردن على الاستثمار والنمو حيث ان الاردن كان بلدا فقيرا، ومعظم السكان يتكونون من حمايل وعشاير تعتمد في معيشتها على الزراعة وتربية الماشية. لكن من خلال هذا الدعم للتجار الاردنيين بواسطة اسلوب (الكوتا) اصبح هناك رأسمال اردني وطني استطاع ان يستثمر امواله للنمو الاقتصادي الاردني علما بأن البلدان المجاورة لنا كانت تفتقر (آنذاك) لكثير من المواد التي كان يستوردها التجار الاردنيون.
بماذا تمتاز عمان عن غيرها من العواصم؟
بما انني عماني ومولود في عمان ارى بأن عمان تمتاز بعدة ميزات: اولا: نعمة الامن والاستقرار، ومن نعم الله علينا العائلة الهاشمية الكريمة التي توحد كل الاطياف في الاردن. ثانيا:: الموقع الاستراتيجي الهام في وسط البلاد العربية فمن حولنا السعودية وسوريا والعراق وفلسطين. ثالثا: المناخ المعتدل الخالي من الرطوبة. رابعا:: وجود النظام الاقتصادي الحر في بلدنا فلم تكن الاردن في يوم من الايام بلدا اشتراكيا كما حدث في البلاد المجاورة.
ماذا تحب .. وماذا لا تحب بعمان (الان)؟
(الان) اصبحت عمان والحمدللهمدينة متقدمة في جميع المجالات، واصبحت نسبة الامية فيها متدنية جدا، فالاردن من افضل البلاد العربية على الاطلاق من ناحية التعليم والخدمات الصحية. ولأن الاردن يقع في منطقة جغرافية متوسطة فقد ساعده ذلك على اقامة دولة حديثة متطورة، وان وجود ا لمدارس الخاصة والحكومية الجيدة والجامعات ساهم في تطور ونمو البلاد وساهم ذلك في استقرار البلد، وساعد الخريجون الاردنيون الذين تخرجوا من الجامعات والمعاهد في بناء عدد من الدول العربية الاخرى بعد ذهابهم الى هذه الدول. انا (لا احب) بعمان الان مشكلة الفساد في بعض اجهزتنا لذلك فان مكافحة الفساد هي المشكلة الرئيسية عندنا، ولم تكن هذه المشكلة في الماضي بهذا الشكل. بالنسبة لازمة السير بعمان فهي ليست اسوأ من مثيلاتها في البلاد العربية فمثلا لو ذهبت الى القاهرة فسوف نجد الازمة اشد، وكذلك لو ذهبنا الى بيروت فالازمة اسوأ! وكذلك لو ذهبنا الى بغداد فالازمة خانقة!! وكذلك الحال لو ذهبنا الى المدن الرئيسية في السعودية مثل الرياض وجدة. انا برأيي بان ازمة السير عندنا في عمان هي اقل بكثير من مثيلاتها بالعواصم العربية والعالمية، لكننا نرجو من الله بان يتحسن الوضع المروري اكثر على ما هو الان عليه بواسطة الحلول المرورية الناجحة، وان الانفاق والجسور والتحويلات المرورية التي انشأتها امانة عمان خلال العقود الاخيرة ساهمت في حل الكثير من المشاكل المرورية وهو جهد مشكور.