الاستراحة إعداد / جمال المصري

مقالة الأسبوع الليــل والنــوم

الليل خلق من خلقه تبارك وتعالى وله حكم جمّـة في إيجاده .. وكذلك النوم فنحن بحاجة ماسّة له كحاجتنا للهواء والطعام والشراب، ولولا وجود الليل والظلمة والسكينة والهدوء .. لما استطاع الانسان مواكبة حياته بشكل صحيح وفعّال .. دونما خلود لنوم يعيد التوازن لجسمه، ولا غرابة أنه من أحد وسائل التعذيب للإنسان هو ابقائه مستيقظاً لعدة أيام دون السماح له بالنوم ، فهذا فيه العذاب والألم الكبير .. وبدون النوم لرأينا الناس أصبحت كالمجانين . وللناس ألوان ومذاهب وطرائق في التعامل مع الليل والنوم وما يعنيهما لهم ، فمنهم من ينام في عمق النوم .. وهذا هو مرتاح الضمير وهانئ البال والقانع ، وهناك من ينام في وسط النوم ، وهناك من ينام على سطح النوم .. بالكاد تغفى عيونه وأقل شيء ممكن أن يوقظه .. فهو يعيش بنفسيّة وأحوال غير مستقرّة في قلق وأرق دائم ، وهناك من نام بجوار النوم .. يصادقه ولا يمارسه .. تراه دوماً متعباً شاحباً غير منتج وغير سويّ ولا فعّال ، وهناك من لا يعرفون الليل .. فنهارهم ليلاً وليلهم نهار .. انقلبت الموازين عندهم وخالفوا بذلك ما أسنـّه الله وما يتلاءم مع المنطق والطبيعة ولكلّ أسباب . وكثيرون يخافون النوم كونه الموت الأصغر ، إن غفت أعينهم أن لا يستيقظوا أبداً ، فالنوم هو كابوس لهم ، وآخرون يسارعون للنوم للقيا الحبيب بالمنام ، وآخرون يعشقون النوم ويؤخرون نومهم حبّـاً في جمال الليل وما يمثله لهم من لوحات جميلة .. قمراً ونجوماً في سمائه .. وسكون وظلمة وهدوء في ثناياه .. تأخذهم لعوالم أخرى أجمل من واقعهم ، وهناك من يمثل الليل لهم العذاب والويلات والذكريات المؤلمة .. سواء في فقدان حبيب أو غال .. أو بذكريات وآلام لا تفارق أفكارهم تغزوهم في هذا الليل . وتجد أناساً يشكون طول الليل وعنائه .. بينما آخرون يشكون قصره .. فهو يمرّ عليهم مسرعاً .. لما يجدون فيه من أنس وسعادة ، وعندما يراود النوم أحدهم يغفو ، ثم تراه يتحدّث وهو نائم .. وهؤلاء من يتكلمون وهم نيام ، بينما هناك من يتكلمون خلال نوم الآخرين .. فالمحاضر أو الخطيب تراه مسترسلاً في كلامه بينما هناك حضور غزاهم النوم .. فينامون أثناء حديث الآخرين . وتبقى أصدق اللحظات هي تلك التي تسبق النوم .. عندما نتجرّد من كل هموم ومشاغل الدنيا ونرقد في السرير .. سواء مغمضي الأعين أو أعيننا شاخصة لسقف الغرفة .. للحظات أو دقائق نهيم فيما جرى لنا في هذا اليوم أو فيما سبق من العمر ، أو هائمين قلقين فيما سيحصل لنا غداً أو باقي أيام العمر ، والقاسم المشترك بين الخلق : أن الطيب والشرير والكبير والصغير .. بعد غرقه في النوم تجدهم جميعاً ذوو وجوه بريئة ، وما أحب تلك اللحظات التي ينظر إليها الوالدان لأطفالهم وهم نيام .. أو النظر لحبيب أو شخص غال وهو مستغرق في نومه .

( 1 ) مشاركـــات