د. محمد طالب عبيدات
توليفة الأم والكرامة والجيش والإذاعة والربيع خصوصية أردنية بإمتياز لشهر آذار الخير لتتمثل في تأصيل العزة والكرامة من خلال استذكار الدروس والعبر المستفادة من ذكرى معركة الكرامة الخالدة وذكرى تعريب الجيش المصطفوي، وترسيخ الإنسانية والعاطفة من خلال مناسبة يوم الأم، وبناء إحدى المؤسسات الإعلامية من خلال ذكرى تأسيس إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية، وازدهار جمالية الربيع والحيوية في بيئتنا الطبيعية.
فالربيع المفعم بحيوية الشباب المعطاء ورائحة الانسجام الاجتماعي وروحية التآلف والوحدة والمحبة وعبق النصر المؤزر والبناء المؤسسي يشكل لنا نحن الأردنيين زماناً وضاءً لأجل المساهمة في بناء الوطن كل حسب طاقته وموقعه عسى أن يصب ذلك في ميزان وطنيتنا الناصعة البياض والتي نطاول فيها عنان السماء.
الربيع الذي بدأنا نقطف فيه ثمار الاصلاحات الوطنية على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالرؤية الاصلاحية وخارطة الطريق التي وضعها جلالة الملك المعظّم قد تبلور عنها حزمة من القوانين الناظمة للحياة السياسية والمتمثلة في قانون الإنتخاب الجديد وقانون اللامركزية وسبقها حزمة إصلاحات دستورية وإنشاء الهيئة المستقلة للإنتخابات والمحكمة الدستورية وقوانين الأحزاب والبلديات وغيرها.
وفي الأول من آذار صادفت ذكرى تعريب قيادة الجيش العربي المصطفوي، هذه الذكرى التي أرادها المغفور له بأذن الله جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، أرادها أن تكون نقطة تحوّل في تاريخ الجيش الأردني لأجل تعريب قيادته وأن يأخذ الأردنيون الشرفاء زمام القيادة ليكون الجيش العربي عربيا بحق وأردنيا هاشميا بامتياز ونموذجا يحتذى وبطلاَ وسيادياَ في كل المواقف وهويته عربية أردنية هاشمية. فكان كذلك وبنيت دعائمه على الحق وجهَزت مؤسساتنا العسكرية والأمنية على الحق والخير، وكانت مواقفها دوما مشرفة بدءاَ من معارك باب الواد واللطرون في القدس ومرورا بمعركة الكرامة والجولان والمهمات العسكرية والأمنية والسلمية المختلفة ووصولاً إلى يومنا هذا.
ففي آذار الخير نبعث تحية بملء أفواهنا إلى جيشنا العربي المصطفوي صانع الكرامة ومحقق الاستقرار والأمن وحامي الحمى، الجيش الذي سطّر أروع البطولات في سبيل الذود عن الحمى العربي، الجيش المرابط على أطول خط للمواجهة، الجيش الذي لقّن الجيش الإسرائيلي المعتدي درساً لن ينساه في البطولة والذود عن شرف الأمة، الجيش الذي لم يتوان يوما عن نجدة أشقائه العرب ونصرة الشعوب المظلومة والمغلوب على أمرها تدعيما للسلام العالمي، الجيش الذي أبدع في محاربة الإرهاب والإرهابيين في عقر دارهم، الجيش الذي أنجب البطل معاذ الكساسبة وراشد الزيود وزملائه من نسور الجو من سلاح الجو الملكي الأردني والقوات الخاصة وفرق مكافحة الإرهاب. فاعتزازنا كبير بجيشنا العربي المصطفوي وأجهزتنا الأمنية والذين أثبتوا انتصارهم دوماً في معركتي الحرب والسلام، وأصاحب أكبر انجازات في التضحية والفداء وإيجاد نعمة الأمن والأمان للأردنيين كواقع ملموس في خضم إقليم شرق أوسط ملتهب وصفيح ساخن، ودليل ذلك دحرهم لآخر محاولة إرهابية فاشلة في إربد الشماء والقضاء على مضاجعها.
وفي آذار الخير نسجل دوماً وقفةً ولمسةً إنسانية لأمهاتنا الفضليات، الأمهات اللواتي قدَمن التضحية والانجاز لتربية الجيل المعطاء، قدَمن مثالاَ ولا أروع في التضحية في سبيل تنشئة الأبناء على الفلاح والصلاح والحق والخير، قدَمن للحياة عناصر بشرية مفعمة بالحيوية والانجاز والتربية والخلق، قدَمن شابات وشباباً ذا قواعد صلبة في الانتماء للوطن والأمة وولاءهم يطاول عنان السماء، قدّمن الانسان الحر صاحب الكرامة. وهذه دعوة للتواصل مع الأمهات والآباء ليس فقط في هذا اليوم بل في كل يوم، لأن رضا الوالدين من رضا الخالق عزَ وجلَ.
وإذ يحتفل العالم بأسره بيوم الام كيوم عالمي لتكريم الامهات، وبالطبع كل الايام للأم وإحترامها وتقديرها، كيف لا وهي المربية والحنونة والغالية وصاحبة الفضل، فالأم هي الحياة كلها، والأم مدرسة في إعداد الأجيال، وشعلة تحترق لتنير دروب الاخرين، ونبع الحنان لترسم البسمة على شفاه الابناء، والام الحياة كلها فلولاها لا يكون طعم للحياة ولا لذة ولا لون ولا رائحة، والام قصة كفاح وتضحية مستمرة، فهي تضحي بكل شيء لاجل إسعاد الابناء ووضعهم على الطريق الصحيح، فالتربية كالنقش بالحجر لا بل أكثر صعوبة، ولا يقدر ذلك إلا من يمر بهذه المرحلة، والام تحرم نفسها لاجل أبنائها، وقلبها على غيرها، وعطاؤها لا ينضب، فطوبى لحنانها وعطائها، وأدعو لكل الامهات بالصحة والعافية، ولمن هن على أسرة الشفاء بالمعافاة، ولمن توفاهن الله بالرحمة والجنة.
أخص الأردنيات الفضليات وكل الأمهات بالمباركة لهن، وإن كانت كل الايام لهن بركة وتقدير وإحترام، فالمرأة التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بيسارها، ووراء كل رجل عظيم إمرأة، وأخص أم البطلين الشهيدين راشد الزيود ومعاذ الكساسبة وزوجتيهم وأمهات كل الشهداء الأبطال في يوم الام، كنموذج يحتذى في التضحية في سبيل الوطن، ومدرسة في الصبر والعطاء، وأخص الأمهات الارامل والثكالى والمحرومات واليتامى في هذا اليوم، لنقف لجانبهن تقديراً وإحتراما لجهودهن وكفاحهن وصبرهن، وأبعث برسالة للأبناء العاقين للوالدين بأن يثوبوا لرشدهم، ودعوة ليصلح رب العالمين حالهم ويعودوا للطريق الصحيح لاجل أنفسهم ورحمة بهم، والمطلوب أن تكون كل الايام وكل اللحظات لرد الجميل للأمهات، وليس في هذا اليوم بعينه، والمطلوب أن ننال رضا والدينا لنفوز بالجنة بحول الله تعالى، فبصراحة ست الحبايب هي الحياة، وهي كل شيء، ولا طعم ولا لون ولا رائحة للحياة من دونها، أطال الله أعمار أمهاتنا وأعطاهن الصحة والعافية، ورحم أمهاتنا اللواتي توفاهن الله تعالى وجمعنا بهن بالفردوس الاعلى من الجنة، وكل عام ولكل لحظة وأمهاتنا وكل أم والجميع بألف خير.
وخصوصية يوم الام ويوم الكرامة ويوم الاذاعة وإنطلاقة الربيع في وطني لها دلالات ومعان سامية، تؤكد على أن الام هي صائنة الكرامة وصانعة رجال معركة الكرامة ورجال الوطن ورجال الاعلام ولها دور كبير في رسم بيئتنا الجميلة.
وفي آذار الخير نستذكر بناء دولة المؤسسات والقانون، الدولة الأردنية العصرية التي أساسها متين ومبنيّ على مؤسسات ورؤية مؤسسية، فكان الأول من آذار ذكرى انطلاقة صوت إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية من عمّان، ليصدح صوت الحق في سماء المملكة والعالم، وليتربى الجيل على صوت إعلامي أساسه الحق والخير والتعبير عن الرأي والحرية المسؤولة والانفتاح على العالم. وكان ذلك تأسيسا لمؤسسات إعلامية تحترم كرامة الإنسان، بدءا من الإعلام المسموع والمقروء ومرورا بالإعلام المرئي ووصولا للإعلام الالكتروني ومتعدد الوسائط .
وفي آذار الخير تتفتح أزهار بلادي وتكتسي السهول والجبال حلّة جميلة وخلّابة، لتشكل منظراً طبيعياً ولا أروع، فينطلق المواطنون والشباب للتنزه في ربوع بلادنا في مختلف المناطق. والدعوة هنا للمواطنين الكرام أن نحافظ على روعة المكان والزمان، فلا نفسد هذه الروعة الإلهية على أحد. وهذه دعوة للمحافظة على مواردنا الطبيعية وخصوصا الغابات خوفاً من الاستنزاف، ودعوة للمحافظة على بيئتنا من العبث والحرائق، ودعوة للمحافظة على ثروتنا الحرجية، ودعوة للمحافظة على بيئتنا نظيفة من خلال وضع المخلفات الصلبة في الأماكن المخصصة لذلك، ودعوة للمحافظة على سلامة قيادتنا للمركبات إبّان تنقلنا خوفاً من حوادث السير، ودعوة للتمتع بالمناظر الجميلة لأنها حقّ وملكية عامة للجميع.
في مناسبات شهر آذار الخير، هنالك قواسم مشتركة كثيرة كالتضحية والانجاز والبناء والمؤسسية والعطاء والحق والروعة والجمالية والإنسانية والخير والانفتاح وغيرها الكثير، فلنحافظ على مكتسباتنا وقيمنا الوطنية بكل ما أوتينا من قوّة، وتتجلى هذه المناسبات في استذكار صنَاع الانجازات جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه قائد الكرامة ورائد دولة المؤسسات والقانون، وقائدنا الملهم والمعزّز وملك الانسانيّة والانجاز عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم أطال الله في عمره.
وأدعو الله مخلصاً أن يحفظ الأردن ويسبغ علينا الأمن والأمان ويغدق علينا رغد العيش بهمة وعزيمة قيادتنا الهاشمية المظفرة والتي هاجسها دوماً الحفاظ على كرامة الانسان وعزّته، ولنرفع رؤوسنا عالياً كأردنيين بإعتزاز كبير.
*وزير الأشغال العامة والاسكان الأسبق