د.رحيل الغرايبة
نحن نقف على أبواب مرحلة جديدة تفرض نفسها علينا جميعاً، سواء كان ذلك على المستوى الإقليمي أو على المستوى المحلي، مما يتوجب على العقلاء التفكير بطريقة جمعية من أجل امتلاك القدرة على التعامل مع مقتضياتها وآثارها ونتائجها، على نحو يجنبنا الوقوع في مزالق كثيرة تفوح منها رائحة الخطورة. على المستوى العالمي هناك ملامح توافق دولي واضح بين أمريكا وحلفائها من جهة، وبين روسيا وحلفائها من جهة أخرى، على ملفات الشرق الأوسط الإقليمية، وقد ظهرت أول معالم هذا التوافق في الملف الإيراني، حيث تم إنجاز الاتفاق الإيراني مع الدول الكبرى (5+1)، وقد بدأت مراحل تنفيذه بالفعل عندما تم رفع العقوبات والإفراج عن بعض الأرصدة، مقابل الالتزام الإيراني بالبنود المتعلقة بالنشاط السياسي والعسكري في المنطقة المسمّاه (الشرق الأوسط) وهناك معالم أخرى تظهر في محاولة إنجاز التسويات الإقليمية الأخرى؛ على صعيد الملف السوري أو العراقي أو اللبناني، ومن ثم الملف الإسرائيلي – الفلسطيني. التوافق الدولي في طريقه إلى التبلور عبر التوافقات الإقليمية، مما يحتم على جميع الأطراف في الإقليم أن تتكيف مع الاتفاق الدولي العام، وهذا يقتضي تموضعات جديدة والوقوف على خارطة مصالح مختلفة تأخذ بعين الاعتبار التغيرات الكبيرة التي طرأت على أحجام الدول وتأثيرها السياسي والإقليمي في المنطقة، بالإضافة إلى التغيرات المهمة التي ستطال الأدوار السابقة التي كانت تلعبها القوى الإقليمية التي كانت تتمتع بحظ واسع في الحركة واللعب على مسرح الأحداث، بالإضافة إلى تضاؤل بعض القوى وانحسار أثرها في مقابل ذلك. انتفاضة الشعوب العربية التي أطلق عليها «الربيع العربي» أسهمت إسهاماً ملحوظاً في تحريك عجلة التوافق الدولي بخصوص ملفات المنطقة المؤجلة، وطرأ تقديم وتأخير على ترتيب الملفات بحسب ما تتمتع به من سخونة وخطورة. الأحداث رغم خطورتها لكنها ما زالت تحت السيطرة بحسب تقويم اللاعبين الكبار، بمعنى آخر أكثر وضوحاً فإن دوامة الاقتتال لم تخرج عن حدود إطار المنطقة، باستثناء بعض أفواج اللاجئين الذين طرقوا الحدود الأوروبية وأثاروا بعض القلق لدى الشعوب الأوروبية الوادعة والمترفة، ويبدو أن الأزمة بطريقها نحو المحاصرة والسيطرة، وهناك بعض التفجيرات البسيطة التي طالت بعض الدول، والتي لا تعدو أن تكون رسائل مشفرة من أطراف الصراع بعضها نحو بعض. القصة الكبرى في تغير موازين القوى الإقليمية أنها تمس الجانب العربي بشكل حاد وعميق، الذي خسر كثيراً من وزنه السياسي، وخسر كثيراً من تأثيره في توجيه الأحداث على مستوى المنطقة، ولذلك فإن ما يقتضي التأكد منه على سبيل اليقين أن الدول الكبرى لا تقيم وزناً إلّا لأصحاب القوة الذين يملكون أوراقاً مؤثرة، ولا مجال إطلاقاً في عالم السياسة لديهم في إبداء الرحمة نحو الضعفاء، أو إبداء اي قدر من الاعتبار لصداقات قديمة أدت دورها سابقاً في لعبة المصالح. العرب جميعاً أمام لحظة تاريخية فارقة، فلا مجال لاستمرار الأنظمة الحاكمة التي لا تتمتع بقدر معقول من الديمقراطية ومشاركة شعوبها في إدارة شؤون الدولة، وربما كان هناك قسط من المجاملة السياسية سابقاً في ظل المصالح المرتبطة بالبترول ومصادر الطاقة على وجه التحديد، وبعض الوظائف المتعلقة برعاية مصالح الكيان الصهيوني؛ فهذا كله أصبح على عتبة التغيير الحتمي القاطع الذي لا شك فيه، فقيمة النفط الاستراتيجية تتجه نحو الانحسار والأفول، وهناك تغيير كبير فيما يتعلق بالدور الإسرائيلي في المنطقة كذلك في ظل المعادلة الدولية القادمة، ولذلك لا مفر من محاولة فهم المعادلة الجديدة بعمق، والوقوف على التغيرات الكبيرة التي طالت المشهد الإقليمي بذكاء، والعاقل هو الذي يسابق الزمن في محاولة الذهاب نحو التكيف الجبري مع الوضع الجديد، وطريق النجاة تكاد تنحصر بصياغة دور تشاركي شعبي حقيقي يمنح الشرعية الوطنية لصناع القرار، دون مواربة أو إبطاء.