بعض المرضى يحتاجون إلى أسابيع في انتظار الوصول إلى عيادته التي تتردد فيها اللهجات العربية كلها، فالدكتور اشرف الكردي احد أشهر أطباء الأعصاب الذي طافت شهرته العواصم العربية. طبيب الفقراء والأغنياء، وطبيب البسطاء والزعماء، فالأزمات التي تعصف بحياة الناس، تفتك بأعصابهم، وتجعل "سوق العمل" في عيادة الدكتور الكردي وزملائه مزدحمة باستمرار.
قاد وزارة الصحة في حكومة الرئيس عبد السلام المجالي الثانية فاستحق لقب معالي، بعد أن اختير لعضوية مجلس الأعيان، وعندما شكل الدكتور عدنان بدران حكومته اختار الابن عمر الكردي وزيراً، وربما كانت تلك اللحظة واحدة من اسعد لحظات الدكتور الأب.
على مدى سنوات كثيرة، وعندما كان الدكتور اشرف الكردي في الحكومة أو خارجها كان الطبيب الخاص للرئيس ياسر عرفات، يستقبله في عمان أو يذهب إليه في رام الله، وعندما ساءت صحة الرئيس الفلسطيني في خريف ٢٠٠٤ كان الدكتور الكردي إلى جانبه في المقاطعة المحاصرة، وربما وقف على تفاصيل جريمة اغتيال الرئيس الفلسطيني حيث كشف بعض تفاصيلها، لكن الذين استمعوا إلى ما قاله طبيب الأعصاب الشهير أدركوا أن الرجل في فمه بعض الماء، ما يشير إلى أن أسرارا خطيرة ما تزال لدى الدكتور اشرف الكردي أكثر الأطباء معرفة بالحالة الصحية للرئيس عرفات .
"عروبة" النطاسي البارع وانتماؤه لامته، لم يمنعاه من فتح خطوط الاتصال مع أحفاد صلاح الدين الأيوبي، مستندا إلى لقبه وجذوره البعيدة، فقد استقبل في بيته وعيادته شخصيات كردية بارزة وشيوع عشائر كردية، وان ظل الحديث بينهم باللغة العربية.
الدكتور الكردي المولود في عمان عام ۱۹۳۹ حصل على الثانوية العامة من الكلية العلمية الإسلام قبل أن يلتحق بجامعة بغداد ويتخرج منها طبيبا في العام ١٩٦١ ، ويتخصص بعد ذلك في الجامعة البريطانية، ليتم انتخابه في العام ۱۹۸۳ أمينا عاما لاتحاد الأطباء العرب واحد نواب رئيس الاتحاد العالمي لأطباء الأعصاب، وليكون أول من يدخل تخصص العلوم العصبية للأردن، في وقت عمل محاضرا زائرا في جامعة هارفارد وغيرها من الجامعات الأميركية، ومدرسا في كلية الطب في الجامعة الأردنية، وترجم التصنيف العالمي للصداع وعمل محررا مساعدا لعدد من المجلات الطبية العالمية ، فيما أصدر العديد من الكتب والأبحاث من ضمنها تاريخ العلوم العصبية عند العرب والمسلمين. الاختصاص الطبي الدقيق للدكتور اشرف الكردي، الذي تعامل مع أعصاب الجسم، جعلته قادر على مغادرة العناوين الكبرى في أية قضية، للتوقف عند التفاصيل الصغيرة المؤهلة باستمرار لحل كل المشاكل الكبرى من جذورها، وهي سياسة ذهب إلى تطبيقها في وزارة الصحة، إلا أن حسابات الحقل لم تتلاءم مع حسابات البيدر في أجندة الوزير، بسبب الإرث التاريخي لوزارة يتردد من جهاتها الست أنين المرضى من الفقراء، الذي كان يصل إلى مسامع الوزير .
من المعروف أن الدكتور اشرف الكردي يحظى بسمعة طبية محترمة، داخل الأردن وخارجه، وعندما يقول رأيه في مسألة طبية يصمت الآخرون، إلا أن الرجل اكتسب شهرة سياسية وإعلامية واسعة من خلال وجوده في السلطة التنفيذية أولا، ومن خلال توصيفه بالطبيب الخاص للرئيس عرفات، ومن غير المستبعد أن تكون تداعيات صحة الرئيس، قبل جريمة اغتياله وبعدها، قد نوقشت في اجتماعات مجلس الوزارة الذي قاده الرئيس فيصل الفايز، ومن المتوقع أن يكون خازن الأسرار الخطيرة قد شارك فيها رغم ان الرجل لم يقل كل ما يعرفه بعد.
أصدقاء الدكتور اشرف الكردي ومعارفه وتلامذته يعتقدون أن الرجل عندما يكتب مذكراته سيكشف الكثير من الأسرار ذات البعد السياسي، فذاكرته مليئة بالأحداث التي تحتاج إلى توثيق، خاصة في علاقته المباشرة مع الزعماء والمسؤولين الذين "فقدوا" أعصابهم، لسبب أو لآخر.
كما يعرف الطبيب الكردي أسرار جسم الإنسان من خلال شبكة أعصابه الدقيقة، فانه يعرف الكثير من أسرار الحياة الاجتماعية في عاصمة توسعت كثيراً في السنوات الثلاثين الأخيرة، ورغم بعده عن الصالونات السياسية وتجاذباتها، فإن الطبيب المنغمس في تفاصيل عمله يجد الوقت الكافي لممارسة حياته الخاصة بعيدًا عن أوجاع المرضى وهموم العمل العام. من الأشياء المختلفة في حياة الدكتور الكردي انه كان يهوى ركوب الخيل وصار عضوًا في مجلس إدارة بنك الأردن.
ليس أول وزير أردني يورث ابنه لقب معالي وهو في مقتبل العمر، لكن من حق الدكتور اشرف الكردي أن يجاهر باختلافة عن الآخرين الذين يشتركون معه في هذه الحالة، فالرجل بعيد عن الاستقطابات ويستند في كفاءته في تقديم نفسه دائمًا، سواء كان داخل الوظيفة الرسمية أم خارجها.
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات
أكتب تعليقا
رد على :
الرد على تعليق
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن
الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين
التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.