يستطيع القول إن آلاف القلوب المتعبة قد أسلمت نفسها طواعية لمبضعه الذي أعاد لها توازن نبضها بعد أن أرهقتها
ظروف الحياة، في وقت يستطيع فيه تقديم صورة مقنعة عن تلك القلوب العاشقة التي أرهقها السهر وأدماها الحنين.
الدكتور داود حنانيا الذي تسبق اسمه كلمة الباشا، أحد أبرز جرّاحي القلب في الأردن والوطن العربي، وصار بحكم
انجازاته المتفردة اسماً لامعاً في ميدان الطب والجراحة في الأردن والمنطقة، فهو لم يخلع مريوله الأبيض منذ أكثر
من نصف قرن، وإن أخفى تحته نجوماً كثيرة من خلال عمله في الخدمات الطبية أوصلته إلى رتبة فريق.
في أحد أحياء مدينة القدس ولد الدكتور حنانيا عام ١٩٣٤ ، وفي مدارسها بعد احتلال جزئها الغربي، أكمل دراسته
الثانوية عام ١٩٥١ ، لتحتفظ ذاكرته بصور الجريمة التي استهدفت المدينة المقدسة وأهلها من قبل العصابات
الصهيونية المدعومة من الانتداب، وفي عام ١٩٥٢ ابتعثه الجيش العربي لدراسة الطب في بريطانيا، ويعود بعد
إنهاء دراسته لينتسب للقوات المسلحة طبيبا عام ١٩٥٧ ، ويكون بذلك أول متخرج من المبتعثين الأردنيين للدراسة
في الخارج.
بعد وحدة الضفتين، لمع اسم أنسطاس حنانيا، الذي تقلد حقائب وزارية عديدة، وشارك في حكومات مرحلة
الخمسينيات والستينيات ثماني عشرة مرة، ليكون واحداً من أكثر الوزراء الذين تنقلوا في حكومات متعاقبة في عهد
الملك المؤسس والملك طلال والملك الحسين، وفي هذه الأجواء بدأ الابن داود حياته العملية، مفضلاً الابتعاد عن
السّياسة التي انغمس فيها والده ، متفرغا لمهنته كطبيب، وقد ترقى في الرتب العسكرية إلى أن أصبح فريقاً، تسبق
اسمه دائماً كلمة الباشا، في وقت أصبح فيه مديراً لمدينة الحسين الطبية ومديراً للخدمات الطبية الملكية، دون أن
يتخلّى عن اختصاصه المتعلّق بأمراض القلب وجراحته، إذ شغل موقع رئيس قسم جراحة القلب في أكثر من
مستشفى.
السجل المهني للدكتور الباشا يشير إلى كثير من الأوائل التي تحققت على يديه، ليس على صعيد الأردن فقط، بل
على الصعيد العربي أيضاً ، فهو أول من قام باجراء عملية قلب مفتوح عام ١٩٧٠ ، وأول من قام بإجراء عملية
زراعة الكلى عام ۱۹۷۲ وأول من قام بإجراء عملية زراعة قلب في العام ١٩٨٥ ، وغيرها من الأوائل للتي لا
تحصى في مسيرة هذا النّطاسيّ البارع.
تقاعد من الخدمات الطبية الملكية، لكن لقب الباشا لازمه في حياته وعيادته الخاصة، وصار مرضاه القادمون من
مختلف أطراف الوطن العربي يقدّمون له قلوبهم بثقة واطمئنان وهو ا النطاسي العامر قلبه بالحنان، دون أن تفارقه
حياة الضبط والربط التي تعوّد عليها في سنوات خدمته الطويلة بالزي العسكري.
لم يقطع خطوط علاقته مع القدس التي يتردد عليها باستمرار منذ منتصف التسعينات، وهو يدرك تماماً حجم
التغييرات التي أحدثها الاحتلال على المدينة التي ما تزال صورتها القديمة مطبوعة في ذاكرته. غير أن الدكتور
حنانيا يرفض التطبيع مع المؤسسات الطبية الإسرائيلية، حتى يعود الحق الفلسطيني إلى أصحابه، كما يقول في
أحاديثه الخاصة والعامة.
تشير سيرته أيضاً إلى أنه عضو في نقابة الأطباء الأردنية، وزميل لة جمعيات طبية بريطانية وأميركية عديدة،
وشارك في عدد كبير من المؤتمرات الطبية في مختلف دول العالم، وله ابحاث عديدة تتحدث عن قضايا طبية
شائكة، واستحق خلال مسيرته عدداً من الأوسمة أبرزها وسام الاستقلال ووسام النهضة روسام الكوكب من الدرجة
الأولى، وعدد آخر من الأوسمة العربية والأجنبية وشهادات التقدير التي تزين جدران منزله .
انغماسه في هموم القلوب وأوجاعها لم يبعده عن ممارسة هوايته المفضّلة في رياضة التنس الأرضي حتى أصبح
رئيساً لاتحاد اللعبة التي ظلت مقتصرة على أوساط النخبة في الغالب، وقد اختير الدكتور داود حنانيا عضوا في
مجلس الاعيان لأكثر من دورة وله حضور مهني واجتماعي بارز على صعيد الأردن والوطن العربي.
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات
أكتب تعليقا
رد على :
الرد على تعليق
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن
الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين
التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.