الشاهد - بعد نحو أسبوعين كاملين من الزلزالين اللذين ضربا جنوب تركيا وشمال سورية في السادس من شباط (فبراير) الماضي، ضرب زلزال جديد ولاية هاتاي جنوب تركيا في الساعات الأولى من مساء الاثنين، قدر بقوة 6.4 درجات على المقياس، الأمر الذي تسبب في سقوط بعض المباني، وعودة الرعب مرة أخرى إلى الأجواء، سواء في تركيا أو في غيرها من البلاد، حيث وصل أثر الزلزال كذلك إلى لبنان وسورية وفلسطين، وشعر به الناس في مصر وعدة دول أخرى
لكن ما لا يدركه الجميع ربما أن هذه المنطقة قد تعرضت إلى أكثر من 6 آلاف هزة ارتداية خلال تلك الفترة القصيرة، البعض منها بالفعل كان أكبر من 5 و6 درجات على المقياس، لكن الزلزال الأخير في هاتاي كان كبيرا كفاية ليشعر به الناس ويخافون مقارنة بالهزات السابقة له خلال أسبوعين مضيا، ورغم أنه إذا ما قورن بالزلزال الرئيسي بقوة 7.8 درجات على المقياس فسنجد أنه أصغر بخمسة وعشرين ضِعْفا، فإنه يظل عموما من الزلازل المتوسطة إلى القوية التي يمكن أن تتسبب في أضرار
في الواقع، ومنذ اللحظة الأولى، كان من المتوقع أن تشهد هذه المنطقة عددا كبيرا من الزلازل التالية للزلزال الأول، التي تسمى في مجملها بـ الهزات الارتدادية ، وهي ظاهرة طبيعية تحدث في كل الزلازل لكنها تكون ملحوظة أكثر في الزلازل الكبرى (مثل زلزال تركيا). على سبيل المثال، بعد زلزال سومطرة الكبير في 2004 الذي بلغت قوته 9.1 درجات، كانت هناك 14 هزة ارتدادية بلغت قوتها ما بين 5.7-7.3 درجات حدثت على طول القوس من سومطرة باتجاه نيكوبار وجزر أندامان في خليج البنغال
تكرر الأمر نفسه حين تعرضت نيبال لزلزال بلغت قوته 7.8 درجات على المقياس في 25 نيسان (إبريل) 2015، حيث واجهت البلاد في الأشهر الثلاثة عشر التي أعقبت هذا الحدث 459 هزة ارتدادية بأحجام تساوي أو تزيد على 4 درجات، وحدثت أكبر هزة ارتدادية بقوة 7.3 بعد ثلاثة أسابيع من الزلزال الرئيسي، في 12 أيار(مايو)، متسببة في مزيد من الأضرار للمباني والبنية التحتية التي تضررت بالفعل
لكن لفهم كيفية حدوث تلك الهزات الارتدادية، دعنا نبدأ بالطريقة التي تحدث بها الزلازل عموما، حيث يتكون الغلاف الصخري للأرض (الذي تبلغ سماكته من 30 إلى 70 كيلومترا في القارات ومن 6 إلى 12 كيلومترا في المحيطات) من عدد من القطع التي تسمى بالصفائح التكتونية، التي تتداخل مع بعضها بعضا بشكل يشبه الأحجيات الورقية، تلك الصفائح تتحرك ببطء، أو قل إنها تسبح لمسافة سنتيمترات كل عام على طبقة أخرى للأرض تقع أسفلها وتسمى الوشاح، ولذلك لا نلحظ أثرها
ويتوقع علماء هيئة المسح الجيولوجي الأميركية أن هناك نحو واحد على الأقل من كل 20 زلزالا كبيرا في العالم يتبع عادة بزلزال آخر كبير (لكنه أقل من الأول) خلال الأسبوع الأول، تتأكد تلك النتائج بدراسة أُجريت عام 2002 على 117 زلزالا بقوة 7.0 على المقياس أو أعلى، وجدت أن 13 منها فقط تلتها زلازل قريبة كانت على الأقل بالقوة نفسها، ويبدو أن ذلك هو ما حدث في حالة زلزال تركيا، حيث تبعت الهزة الرئيسية هزة كبيرة بمقياس 7.5 درجات بعد تسع ساعات فقط وعلى مسافة نحو 90 كيلومترا من مركز الهزة الأولى، وهي حالة نادرة
ولكن عموما، فإن الاحتمال الأكبر بحسب قانون بات (B th s Law) في علم الجيولوجيا هو أن تكون الهزات الارتدادية في المعتاد ذات قيمة على المقياس أقل من الزلزال الرئيسي بفارق نحو 1.2 درجة. وبحسب قانون أوموري (Omori s Law)، فإن معدلات الهزات الارتدادية تتناقص مع مرور الزمن، لكنها رغم ذلك قد تستمر لشهور أو حتى سنوات، يعني ذلك أن المحتمل هو أن تستمر تركيا وسورية في التعرض لهزات لكنها ستكون أصغر في المقياس، وفي مرحلة ما ستصل إلى نقطة لا يستشعرها البشر، لكن ما تزال هناك دائما فرصة ضئيلة لحدوث هزات ارتدادية كبيرة حتى بعد مرور أشهر من الزلزال الأول، وفي بعض الأحيان النادرة جدا قد يحدث العكس، حيث تكون الهزة الأولى أقل من الارتدادية في القوة، وهنا يعاد تعريف الهزة الأولى بأنها نذير (Foreshock)، أي مقدمة لهزة أكبر
احتمالات ضعيفة
أحد الأمثلة على هذه الحالة هو زلزال سومطرة في 26 كانون الأول (ديسمبر) 2004، حيث سبقه بعامين كاملين زلزال آخر بقوة 7.3 درجات، في الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2002، يعتقد بعض الباحثين أن الأول كان نذيرا للثاني الأكبر على المقياس، الذي يُعَدُّ واحدا من أقوى الزلازل التي ضربت الأرض. من حيث الأضرار والخسائر في الأرواح، كان حجم الكارثة الناجمة عن هذا الزلزال والتسونامي الذي تبعه (تسونامي يوم الملاكمة) هائلا، حيث قُتل وفقد نحو 230 ألف شخص، وهجر نحو 1.7 مليون شخص منازلهم
وفي كل الأحوال فإن العلماء ليسوا دائما متفقين حول طبيعة الهزات الارتدادية أو هزات النذير، ودائما ما يكون هناك جدل حول ما إذا كانت الهزات مرتبطة أم لا، وقد يظهر أن هزة تركيا الثانية أو غيرها مثل هذا الزلزال لم تكن ارتدادية بل كانت زلزالا منفصلا، خاصة أن الزلزال الجديد كان أكبر في المقياس من الهزات الارتدادية السابقة له، على عكس العادة
لكن مجددا، سواء كان هزة ارتدادية أم زلزالا جديدا، فإن الاحتمالات الأعلى هي أن تستمر تركيا ومحيطها في التعرض لهزات أصغر مع الوقت لحين استقرار الصفائح التكتونية، تصل تلك الهزات في مرحلة ما إلى مستوى لا يشعر به الناس، هذا النوع من الاضطرابات معروف ويحدث في كل الزلازل، وما يحدث حاليا ليس استثناء منها.-(وكالات)