الشاهد - في الوقت الذي كشف فيه تقرير المركز الوطني للطب الشرعي الصادر الأسبوع الفائت، عن انتحار ثلاثة أطفال في العاشرة من عمرهم شنقا، يقف خبراء ومختصون استطلعت الرأي آراءهم على أسباب ومغذيات هذه السلوكيات، داعين في الوقت ذاته إلى وضع حدٍ لمظاهر التقليد المفضي إلى هذه المخاطر.
وتأتي هذه الحوادث تزامنا مع قضية أثارت الرأي العام مؤخراً مرتبطة باختفاء حدثين قبيل أيام لتأثرهم بكتاب يدعو إلى كيفية أن تصبح ثرياً، ما يسلط الضوء على مخاطر ومغذيات هذه السلوكيات التي تطال فئة الأطفال، وما المطلوب على كافة الصعد والأطر لمجابهة هكذا سلوكيات ناشزة.
هذان الحدثان، دفعا خبراء ومختصين للتأكيد على ضرورة تحليل ودراسة حالة الأطفال النفسية والاجتماعية والاقتراب أكثر منهم ومشاركتهم همومهم وأفكارهم وحتى مطالبهم لتحصينهم من هذه السلوكيات، في إطار وقائي لتجنب السيناريوهات الخطرة والمؤذية التي قد تحدث.
وفي السياق، كشف مدير المركز الوطني للطب الشرعي الدكتور ماجد الشمايلة، في تصريحات صحفية سابقة أن السبب وراء الانتحار يعود لتقليد المسلسلات والألعاب الإلكترونية، مؤكدا أن النية لم تكن موجودة لقتل النفس وإنما كان تقليدا للمسلسلات والألعاب الإلكترونية.
«ضرورة تحليل ودراسة حالة الطفل النفسية والاجتماعية»
بدوره، يقول الخبير في حقوق الطفل، ومستشار الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان: إن ربط انتحار الأطفال بعواقب الألعاب الإلكترونية قد يكون افتراضا صحيحا، لكن يحتاج لتحليل ودراسة حالة الطفل النفسية والاجتماعية بأثر رجعي قبل انتحاره.
وبين في حديثه إلى $ أنه من الممكن تمييز مجموعتين من انتحار الأطفال لمن يقل عمرهم عن ١٨ سنة، المجموعة الأولى وهي انتحار المراهقين، وتتقاطع جذورها مع جذور انتحار البالغين كحالات الاكتئاب والاضطرابات النفسية، وكرب الحياة الاجتماعية.
وبحسب جهشان فإن المراجع العلمية تشير إلى أن الانتحار بين الأطفال الأصغر سنًا، غالبًا ما تكون محاولات الانتحار اندفاعية، ومرتبطة بمشاعر الحزن أو الارتباك أو الغضب أو مشاكل الانتباه وفرط النشاط.
ويذكر أن تشخيص حالات الانتحار بما في ذلك حالات انتحار الأطفال يتطلب عملا تشاركيا بين قطاعات الطب الشرعي وعلم النفس وعلم الاجتماع والطب النفسي، والادعاء العام بهدف التأكد من تشخيص الانتحار وتحديد جذور الانتحار لكل حالة.
ويشير جهشان إلى غياب العمل التشاركي في الأردن فيما يتعلق بهذا الجانب، إذ أنه يكتفى بالتحقيق الشرطي والطب الشرعي، وتحول القضية للنيابة التي تغلق الملف بعد التأكد من غياب شبهة جنائية، وهذه أولوية مهمة النيابة وليس تشخيص الانتحار وجذوره.
ووفق جهشان «تم سابقا الدعوة مكررة لإنشاء فريق مراجعة وفيات الأطفال متعدد القطاعات لدراسة وفيات الأطفال الغامضة»، مبيناً هنا أن أثر الألعاب الإلكترونية على انتحار الأطفال احتمال وارد، ما يتطلب وجوب توثيق أثره النفسي على الطفل قبل ربطه بالانتحار.
«مشاركة الطفل ومراعاة إدراكه وتهيئته لاتخاذ القرار ضرورة»
من جانبها، استحضرت المستشارة القانونية في مركز العدل للمساعدة القانونية المحامية سهاد سكري قانون حقوق الطفل والذي دخل حيز النفاذ مطلع العام الحالي، وركز على عدة أمور منها الحماية الاجتماعية للطفل والواجب توافرها من الجهات المختصة من جهة ومن قبل الوالدين من جهة أخرى.
ووفق سكري تنص المادة 8 / ب من القانون على «تتولّى الجهات المختصة وفقا لتشريعاتها اتخاذ كافة الإجراءات التي تحول دون التعرض لحياة الطفل الخاصة ولها في سبيل ذلك حجز او إيقاف أو مصادرة أو إتلاف المنشورات أو الكتب أو التسجيلات أو الصور أو الأفلام أو المراسلات أو غيرها من الوسائل».
وتبين سكري أن القانون شدد على واجب الوالدين في الرعاية والتنشئة والرقابة التي لا تعني أن نتعرض لقدرته على التعبير والمشاركة، بل أن يحاط بنوع من الإرشاد والتوجيه، مشددة في الوقت ذاته على ضرورة أن يكون هناك علاقة متبادلة بين الوالدين.
وتشير إلى أن هناك مسؤولية على الوالدين، وإلى وجود مشكلة داخل الأسرة حيث أن العائلة لا تراقب المحتوى وعدد الساعات التي يقضيها خلال اللعب ضمن جو غير آمن لدرجة وصوله إلى الإدمان، وإنهاء حياته بهذه الطريقة.
وتذكر أن القانون أيضا قد ألزم المدارس ببعض الواجبات، عبر تفعيل دور المرشدين الاجتماعيين داخل الحرم المدرسي؛ لملاحظة الاختلاف في سلوكيات الطفل، فضلا عن تقديم برامج توعية للأطفال، بالإضافة إلى إحاطتهم بالعناية اللازمة للنمو بالشكل الصحيح.
وتبين أن اتفاقية حقوق الطفل تطرقت إلى أربعة مبادئ رئيسية تمثلت بـ» المصلحة الفضلى، والحق في الحياة والبقاء والنمو والمشاركة»، مشيرة هنا إلى أن مسألة إهمال الحقوق الأساسية المتكاملة يخلق حالة فراغ لدى الطفل.
وتلفت إلى أن الأطفال يحتاجون إلى حماية إضافية والتعامل معهم من خلال مراعاة نضجهم الإدراكي والإحاطة بهم من قبل بالغين داعمين ومستمعين لهم يتفهمونهم ويوجهونهم بالحوار وإشراكهم بالإجراءات التي سيتخذونها من خلال التحديد لهم ما لهم وعليهم من التزامات وواجبات، وليست على شكل أوامر، كي يكون الأهل القناة الآمنة التي يعود إليها الطفل عندما يحتاج وألا يبحث عنها خارجها.
وتبين هنا أنه عند تحديد عدد ساعات لعب للأطفال ومراقبة محتوى ما يشاهدونه أو يلعبونه، فإن ذلك لا يعني تقييد استقلاليتهم، بل عندما نعلمهم مدى الضرر جراء هذه الألعاب فإننا نشركهم باتخاذ القرارات وبالتالي نهيئهم لأن يكونوا قادرين على اتخاذ القرارات الصحيحة مستقبلا، لافتة الى وجود مشكلة حقيقية في قدرتنا على مشاركة الطفل الموجود ضمن رعايتنا وجعله قادر على اتخاذ القرار.
وتشير أيضا إلى أنه إذا أجبرنا الطفل على القيام بسلوك دون اقتناعه فإن ذلك لن يوصلنا إلى نتيجة، ودليل على ذلك سماعنا إلى أخبار عن شباب تخرج من بيوتهم رافضين العودة إليها، وهذا يؤشر إلى وجود خلل في الرعاية والتنشئة.
وبحسب سكري «يوجد فراغ تشريعي قد نكون غير منتبهين له ومن المفروض التفكير به جديا، إذ أننا عندما نتحدث عن الإدمان فإننا لا نقتصره على المخدرات والمواد الطيارة كما ورد في قانون حقوق الطفل فحسب، وإنما أصبح هناك أنواع أخرى منه يجب التفكير بها، وعلينا إيجاد الوسائل العلاجية من خدمات الدعم النفسي و خدمات الإدمان من هذه الألعاب.
وتذكر أيضا أن القانون نص على ضرورة وجود الحدائق والملاعب والمراكز ليمارس حقه في اللعب، ومن المفروض أن تكون مكفولة بطريقة آمنة، لتنمية مواهبه والتنفيس عن مشاعر الغضب والكبت التي يشعر بها.
وتشير إلى أنه كلما قللنا من اهتمامنا بالطفل وبتفاصيله التي نعتبرها أولوية فإننا سنخلق جيلا عنيفا وغير قادر على الاعتماد على نفسه أو معتمد كليا على غيره، ويتصرف بطريقة فردية دون الرجوع إلى شخص يدله على الطريق الصحيح ويحاوره ويتخذ القرار بناء على هذا الحوار.
ووفق سكري «من الضروري تفعيل مواد في قانون الأحداث بما يتعلق ببرامج الرعاية الوالدية، وبالرغم من أنها واردة في القانون بالنسبة للأطفال الذين يحتاجون إلى الحماية والرعاية ولكن يجب أن تعمم هذه البرامج فعليا، وعلينا أن نتوجه إلى الأهل إذ أن هذه البرامج يجب ألا تختصر على الطفل».
وشددت هنا على أهمية التركيز على منظومة الأسرة بالإضافة إلى المقبلين على الزواج ومعرفة مدى إدراكهم لمسؤولية الزواج وتقدير حجمها، مشيرة إلى ضرورة تنمية وتوعية وتدريب وزيادة الاهتمام بالبرامج الواردة في قانون الأحوال الشخصية والتي هي اختيارية لغاية الآن.
وقالت: «لا نستطيع القول إن المشكلة قد ولدت الآن بل هي عبارة عن فراغات، وحدثت على مدار سنوات ونرى نتائجها حاليا»، مشيرة إلى أهمية العمل بإيجاد منظومة حماية للطفل بطريقة محكمة أكثر، لا يكون الهدف منها إحكام القبض على الطفل بل على العكس ترك الحرية له في الوقت الذي يكون فيه دور لإجراءات حماية لهذا الطفل.
وبحسب سكري «هناك التزام قانوني على الدولة بمراقبة المحتوى المسيء للطفل، المحتوى المسيء لا يعني الاستغلال فقط».
وتشدد على ضرورة توسيع مدراكنا والذهاب إلى روح القانون مع وجوب أن تكون الحماية هي الغاية وليس تطبيق القانون، لافتة إلى أننا لسنا بحاجة إلى قانون بقدر احتياجنا الى إجراء تنفيذ القانون بطريقة تؤدي إلى الغاية التي يتوخاها المشرع من النص.الراي