د.رحيل محمد الغرايبة
تنفس الأردنيون الصعداء عندما تبين أن حادث حريق الجمارك ليس له صلة بالعمليات الإرهابية، وليس بسبب مقاصد إجرامية، لأي عصابة داخلية أو خارجية، وربما تكون الراحة على المستوى الرسمي أكثر عمقاً وشمولاً، لكن الحادث يحمل دلالات خطيرة ينبغي عدم إهمالها بل تستحق المتابعة الدقيقة والاستقصاء الجاد. ما حدث يشكل جريمة بكل المقاييس، ويؤشر على نقص مؤكد في الاجراءات أو التشريعات والأنظمة التي تنظم هذا الشأن وتضع الاحتياطات اللازمة التي تحول دون الانفجار، وتحفظ أرواح البشر وتصون ممتلكاتهم، وينبغي الاعتراف أن هناك نقصا ما، وثغرة واضحة يتسلل منها الإهمال المتعمد أو غير المتعمد، ولكن انتفاء القصد لا يعفي من المسؤولية في ظل حدوث هدر بالأرواح لا يقل عن سبعة أشخاص بالإضافة إلى المصابين. لا بد من وجود أصابع مشبوهة لها صلة بتجارة هذا النوع من البضاعة المحظورة، والتي تخالف القانون، ودائماً لدينا من يتجرأ على مخالفة القانون، ويتجرأ على مخالفة الأنظمة والتعليمات، ولدينا من يحاول الإثراء بطرق غير مشروعة ويجد بغيته من خلال الثغرات في البنية التشريعية، أو من خلال مواطن الخلل في الإجراءات والمتابعة والرقابة الفاعلة. نحن في الأردن نحتاج إلى تعزيز منهج الصرامة في تطبيق القانون بشكل أقوى، ومنهج الصرامة الزائدة في قطع دابر الواسطة والمحسوبية، ويجب إرساء منهج عدم التهاون في إيقاع العقوبة على المخطىء حتى لو كان من أصحاب الأوزان الثقيلة، من أجل الوصول إلى مرحلة الردع الكافية التي لا تتحقق إلّا من خلال ظهور المساواة المطلقة كالشمس التي لا تخطئها العين، وأن لا تكون محلاً للمساوامة أو المهادنة أو التساهل، وقد ورد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قوله : «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا «. يجب المسارعة إلى إزالة كل أنواع الحصانة عن الفاسدين مهما كانت مواقعهم ومهما كانت مراتبهم، ولا بد أن نعلم يقيناً أن طريق النهوض بالأردن، وطريق الإصلاح والصعود نحو مصاف الدول المتقدمة يتمثل بامتلاك القدرة على إيجاد دولة القانون والدستور واحترام النظام، ويجب أن لا يخطر على بال أحد أو يظن لحظة واحدة: أن التهاون في تطبيق القانون والدستور واحترام النظام يمكن أن يشكل خطوة نهضوية إصلاحية بكل أعراف البشر ومنطق العقل؛ لأن احترام القانون والنظام ليس مرتبطاً بالاختلاف السياسي أو الفكري أو الحزبي، ولا علاقة له بالتباينات الجغرافية أو الديمغرافية، وكل من يتعصب لفاسد أو يتغاضى عن جرائمه تحت أي بند تبريري فإن ذلك يعد خيانة وطنية بكل معانيها ومضامينها الحقيقية.