المهندس عادل بصبوص
قبل قرابة عقدين من الزمن صعدت إلى طائرة الملكية الأردنية الجاثمة في مطار جون كينيدي في مدينة نيويورك الأمريكية ....
جلست بقرب النافذة بانتظار مغادرة الطائرة في رحلة العودة إلى عمان ....
كنت قلقاً بعض الشيء كيف سأقضي الرحلة الطويلة والتي سوف تمتد لما يزيد عن إحدى عشرة ساعة وأنا لا أستطيع النوم في الطائرة مهما طالت الرحلة ....
قبل إقلاع الطائرة بوقت قليل صعد إليها على عجل شاب قدرت أنه في الثلاثينات من العمر ... واتخذ مكانه في المقعد المجاور لي ....
تبادلنا التحية باقتضاب... ثم انشغل كل منا في التأكد من ربط أحزمته في الوقت التي كانت المذيعة الداخلية تتلو التعليمات والإرشادات التي تسبق الإقلاع ...
بعد أن أقلعت الطائرة واستقرت في مسارها على ارتفاع ما يزيد عن سبعة وعشرين ألف قدم بادرني جاري بالسؤال ... هل انت مقيم في أمريكا أم هي مجرد زيارة ... فأجبته هي زيارة عمل وهي الثانية لي لهذا البلد المدهش ...
كانت هذه مقدمة كسر الجليد بين شخصين يتقابلان للمرة الأولى ... بعدها تشعب الحوار وأتسع بيننا ليشمل شؤون العمل والأسرة والسياسة والدين وأحداث 11 سبتمبر ....
مرت الوقت سريعاً ... حل الظلام واستغرق غالبية الركاب في النوم فيما أحاديثنا مستمرة لا تنتهي .... نَفْرَغُ من موضوع لندخل في آخر ...
لم تكن الرحلة مملة على الإطلاق ... شعرت أنني برفقة صديق قديم أعرفه منذ سنين ...
لم نشعر بمرور الوقت كثيراً ولم يقطع حديثنا إلا صوت المضيفة قائلة بدأت الطائرة بالهبوط التدريجي إلى مطار الملكة علياء الدولي ...
توقف الحوار اعتدل كل منا في جلسته تفقد حزام المقعد ثم ران الصمت علينا وعلى الركاب انتظاراً للحظة الهبوط ....
هبطت الطائرة ... ترجلنا منها ... ثم ابتعد كل منا عن الآخر خلال مسيرنا إلى داخل مبنى المطار لاستكمال اجراءات الدخول وختم الجوازات ...
انتظرت في موقع استلام الحقائب مع الواقفين ... وصلت الحقيبة تناولتها ... سرت بضع خطوات لأجد نفسي قبالة صديق الرحلة الحميم ...تلاقت نظراتنا ... هممت بتحيته أو الحديث معه إلا أنه تابع مسيره ومضى ....
يا الله ... أليس هذا هو نفس الشخص الذي كان حتى دقائق قليلة صديق الرحلة ورفيقها .... ما الذي تغير ....
لم يتغير شيء فقط انتهت الرحلة .....
ترى كم في حياتنا من أشخاص نظنهم أصدقاء وأحباب وهم ليسوا أكثر من رفاق رحلة .... ما أن تنتهي حتى يختفوا سريعاً من حياتنا مثلما ظهروا فيها سريعاً .....