بقلم: د. ذوقان عبيدات
يُقصَد بثقافة الوزارة قيمها، وقيم العاملين فيها، وموجهات السلوك اليومي وحتى الاستراتيجي، وهذه الثقافة تتكون عبر تاريخ الوزارة، وتتعمق لتصبح أشبه ما يُسمى بِـ: الثقافة العميقة، وهذه الثقافة محمية ومُصانة من قبل حرس قديم وحرس جديد، ويبدو الخروج عنها انتحارًا لكل من تسول له نفسه الخروج عنها، وبشكل عام لم تشهد الوزارة خارجين عن ثقافتها إلا نادرًا.
إن الحديث عن أي إصلاح يبدأ بإصلاح الثقافة، وإصلاح الثقافة يتطلب معرفتها. صحيح أن ذلك يتطلب وقتًا، إلا أنه يوفر كثيرا من الجهود لمواجهة معارضي التغيير. فما المقصود بثقافة الوزارة الحالية؟ وكيف نتعرف عليها!
(01) الثقافة الحالية لوزارة التربية:
تتكون الثقافة الحالية من رؤية وزارة التربية ورسالتها، ومدى وعي العاملين فيها، مع أن هذه الثقافة تكونت بعيدًا عن الرؤية التي لا يكاد كثيرون من العاملين يشكون فيها، كما تتكون من فلسفة التربية والتعليم في الأردن، والسياسات والقوانين وأساليب العمل التي تتم بموجبها! ولحسن الحظ، فإن هذه الثقافة ليست وليدة اللحظة، ولا انعكاسا لجهد وزير، فهي عابرة للسنين ولوزراء هذه السنين. من هنا، فإن الكلام عن ثقافة الوزارة لن يغضب أحدا من المسؤولين الحاليين لأنها ليست نقدا لهم!! وبذا يكون الطريق آمنا.
اشتهرت الوزارة بثقافة المحافظين، وهم الإداريون التقليديون، والامتحانيون القدماء والجدد، إضافة إلى الجمهور المنساق وراءهم. فقيادات الوزارة – عبر تاريخها – تشكلت من معلمين من طبقات اجتماعية فقيرة ومحافِظة، صعدت وظيفيا للقيادة حاملة معها قيمها وتقاليدها.
هذه الثقافة سيطرت على المناهج والتدريس والعلاقات، وقبلها على فلسفة التربية، وأصبحت ثقافة راسخة مدعومة قانونيا
( قانون التربية رقم 3 لعام 94). ومدعومة بشرعية مجتمعية أقوى من القانون. هذه الثقافة سيطرت على أشكال المعلمين، وملابِسهم، وعلاقاتهم وقيمهم وطريقة تدريسهم (التلقين)، وقادت هذه الثقافة إلى إنتاج مقدسات جديدة ومُسلَمات جديدة: فالكتاب مقدَس، والامتحان مقدس، والدوام مقدَس، والهدوء مقدَس، وكذلك الواجبات والطاعة واللباس والتلقين! وأصبح الحديث عن هذه الأمور نقدًا للمقدَس!
وقد أنتجت هذه الثقافة قيما مثل: الخوف، والتردد، والإذعان، وقبول الواقع، ورفض التغيير، وتعدت ذلك إلى نشوء سُلطات، واستبداد وإحباط، وتذمر سري. ومن الطبيعي – وهذا شائع – أن تجد استغابة للوزير، أو الأمين في أي لقاء بين العاملين في الوزارة، ونشوء صورة المعلم الشكاء البكاء لظروفه المادية الصعبة، حتى إنه وضعَ تحسينَ وضعِه المادي مقابل أن يعمل بإخلاص! طبعًا انتهت صورة المعلم القوي بعد إحباط مشروع نقابة المعلمين! وعاد المعلم إلى التذمر والشكوى. هذه الثقافة ولدت تأثيرات مهمة في مختلف مجالات التعليم. فما هذه التأثيرات؟.
(02)- تأثير الثقافة التقليدية وآثارها! يمكن تحديد آثار الثقافة السائدة بما يأتي:
أولا- نشوء ثقافة التسلط، والاستمتاع بإلحاق الأذى بالميدان، وبالمواطن المراجع، فموظف الوزارة مهما كان وضعه الإداري يستطيع إصدار أوامر إلى مسؤولي التربية في المديريات، كذلك الأمر الذي أصدرته مديرة هامشية في الوزارة لإجبار مدير تربية على تشكيل لجنة تحقيق لمعلمة لم ترتكب أي مخالفة! هذا مثال لتوضيح سلطة يمتلكها محبَط! فالتدخلات شائعة ومديرو التعليم في الميدان يطيعون.
ثانيًا- تسطيح العلاقات بين العاملين في الوزارة، حيث إن من يتقاعد منها، لا يعود ولو بزيارة! سألت ثلاثة مديرين تقاعدوا قبل شهرين، فلم يعُدْ أحدٌ منهم إلى وزارته حيث زملاء العمر، والأنكى من ذلك أن أحدًا من زملائهم لم يسأل عنهم بعد تقاعدهم! هذا شائع أيضًا بين المعلمين في الميدان، فمَنْ يُنقَل من مدرسته أو يتقاعد تنقطع صلته بزملائه. طبعًا ليس في ثقافة الوزارة غير التنافس والتمدد أو التسلق! ولم يحدث أن تشكلت مجتمعات عمل مهنية أو اجتماعية لتبني مثل هذه العلاقات المستمرة!
ثالثًا- سيادة ثقافة العمل بمكافأة على حساب العمل المقرر، حيث يبحث العاملون عن لجان مأجورة، وإلا..!!وقد حصل أن كتب 24 شخصًا أسماؤهم على منتج لا تزيد عدد صفحاته عن 40 صفحة، وكانت الأسماء رفيعة جدا، ولا علاقة لها بالمنتج!
رابعًا- ثقافة التفاخر بالأداء بدلًا من الإنجاز. فالمشرف يذكر عدد زياراته، ورئيس القسم يسجل عدد زياراته لقاعات التوجيهي، والموظف يتفاخر بعدد المحافظات التي زارها، لا بما نتج عن هذه الأعمال من تطوير!
خامسا- الفرح والبهجة حين يقرأون مقالة تنقد الوزارة، بدلًا من دفاعهم عنها، ويشعر أي كاتب بالدعم الكبير الذي يُغدَق عليه من العاملين في الوزارة إذا نقد وزارتهم. طبعًا يمكن فهم هذا، فهم محبَطون لا يعبِرون، ولا يشاركون في رأي أو قرار.
سادسا- انتشار ثقافة المنع، فالوزارة لديها ثقافة بعضها غير دستوري، وغير قانوني، ولذلك يطبقون ثقافة أصحاب الصوت العالي، ويمنعون كتابًا من أجل كلمة أو من أجل صورة، أو عبارة يسمونها”غير مناسبة”، يعني خادشة للذوق والحياء برأيهم! وبذلك منعوا دَور الأدب العربي مثل كتاب الأغاني، والعقد الفريد! كما منعوا كتب الفلسفة، أو أي كتاب ينقد، ولو مسؤولا أو سلوكا تربويا!
أو شخصا يلبس (شورتًا، أو بنطالا ممزوعًا)!!
سابعًا- غياب الإعلام التربوي لصالح الوزير أو الأمين، وتركيزه على إظهار حنان الوزير وحُنو الأمين على أبنائهم الطلبة في قاعات التوجيهي! فحين يأتي وزير، يبدأ وكأن لديه مشروعًا متكاملًا، مُحَيدًا تفكير الوزارة! فمنذ وقت قصير زاد صوت الامتحانيين وهبوا لتطوير التوجيهي، وامتحان القبول والتعليم المهني! ولا نعرف هل هي أولويات وزارة أم وزير؟!
ثامنًا- إضعاف المجالس قوة للوزير، إذ غالبًا ما يختار الوزير لجانًا ومجالس طيعة، يفرض عليها فتوافق، وبذا يوفر نقاشات يثيرها مفكرون تربويون مزعجون. فلا وقت لديه للاستماع إلى متخصصين. هذه ليست ثقافة تربوية، بل ثقافة أردنية!
ملاحظة: لا تستغرب أن من شكل المجلس لا يعرف طريقة تشكيله؛ ولذلك أبقى على تشكيلة من سبَقَه!.
(03)- مغالطات في الإصلاح التربوي:!
عادة ما تشيع مغالطات في مفهوم الإصلاح التربوي وأولوياته، ومن أبرزها:
المغالطة الأولى: الإصلاح يمكن أن يتم دون رؤيا شاملة لمفهوم التعليم والتعلم وأهدافها وقيمها. ولذلك يتحدثون عن المناهج ضمن مسرَب خاص، وعن التوجيهي ضمن مسرَب ثانٍ مختلف، وعن تدريب المعلمين في جزيرة نائية، والتعليم المهني في مسرَب رابع! وجميع هذه المسارب لا لقاءات بينها، ولا تتم وفق فلسفة مشتركة! فالمناهج قد تُعَدُ وفق فلسفة المعلومات والحقائق والتلقين، والمعلم يمكن أن يُعَدَ وفقَ أسلوب التعليم المتمايز، وأبو التوجيهي يتحدث عن قبول الجامعة! وهكذا!
والمطلوب أن تتم هذه الخطوات والمجالات ضمن فلسفة واحدة!
المغالطة الثانية: إصلاح التوجيهي يقود لإصلاح التعليم! وهذا ليس معقولًا؛ لأن التوجيهي يقيس التعليم، ويقيده في إطار حفظ الكتاب! المطلوب البدء بإصلاح التعليم؛ لأن التوجيهي متغير تابع للتعليم وليس مستقلا! وهكذا تكون العرَبة خلف الحصان لا أمامَه!
المغالطة الثالثة: يمكن أن يتم الإصلاح دون مشاركة المعلمين: نقابة، أو أفرادا، فالنقابة محرك الإصلاح وحافزه، والمعلم هو حجر الزاوية فيها!
المغالطة الرابعة: يمكن أن يتم الإصلاح من دون إصلاح ثقافة الوزارة وقادتها! من هنا، تكون نقطة البدء، وإلا فإن مختطفي التعليم سيفسِدون أي حركة ولو البحث عن الحقيقة!!.